عملية حشد غير مسبوقة تجري علي قدم وساق في واشنطن لدعم العمل العسكري ضد إيران، فقد انتهي المؤتمر السنوي لكبري جماعات الضغط الموالية لإسرائيل, لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية إيباك, باستعراض ضخم لنفوذ إسرائيل في الولاياتالمتحدة. كشفت اللقاءات التي شارك فيها31 ألفا من اليهود الأمريكيين من جميع الولايات ونخبة من السياسيين الإسرائيليين في حضور الرئيس الأمريكي وغالبية أعضاء الكونجرس ومرشحي الرئاسة الجمهوريين عن إصرار حكومة بنيامين نيتانياهو علي وضع الرئيس باراك أوباما في ركن وحده يدافع فيه عن موقفه فيما يتدافع الأخرون في إتجاهه من أجل أن يسلم بفرضية أن أمريكا سوف تذهب أينما توجهت إسرائيل وأينما رأت أن أمنها في دائرة التهديد. قرعت طبول الحرب في الإيباك وساهم في التطبيل كل الإتجاهات علي الساحة السياسية الأمريكية في عام الانتخابات الرئاسية التي تشوبها أجواء لم تشهدها مثل تلك الانتخابات من قبل, خاصة اللغة الخشنة التي يستخدمها المرشحون الجمهوريون ضد بعضهم البعض وضد الرئيس أوباما, وقد نقل هؤلاء المرشحين تلك اللغة إلي مؤتمر إيباك في صورة عبارات رنانة وصراخ يمكن أن يدخل الشرق الأوسط في دائرة حرب جديدة لنزع السلاح النووي الإيراني أو وقف طموحات طهران النووية. ولم يجد أوباما سوي أن يتهمهم بالتهور والقاء كلام غير مسئول وهم لم يختبروا معني أن يكونوا في موقع قيادة الجيوش الأمريكية. فها هو ريك سانتورام الحصان الأسود للسباق يقول للإيرانيين لقد حان الوقت والمرشح ميت رومني يتوقع إمتلاك إيران السلاح النووي لو استمر أوباما في السلطة فترة ثانية والمرشح نيوت جنجريتش يطالب إسرائيل بالتوقف عن التعامل في المعلومات الحساسة الخاصة بنواياها مع إدارة أوباما لأنها ستقوم بتسريبها, ولو كان الديمقراطيون هم المرشحون لفعلوا الشئ نفسه! سيطرت القضية النووية الإيرانية علي فعاليات المؤتمر وتوارت القضية الفلسطينية وحتي سوريا لم تنل الاهتمام المتوقع من دولة جارة لإسرائيل تدور بها حربا طاحنة بين قوات السلطة والمعارضين. ينطلق أوباما في موقفه الحالي من واقع أن حزمة جديدة من العقوبات بدأت تربك أوضاع الاقتصاد الأيراني وأن العقوبات ستصل ذروتها في يوليو المقبل بتطبيق دول الاتحاد الأوروبي حظر شاملا علي واردات البترول الإيراني بما يجعل العملة المحلية في وضع شديد الحرج في ظل عقوبات مشددة علي البنك المركزي الإيراني لم تحدث من قبل. الرئيس الأمريكي يؤكد أن للدبلوماسية مكانا في الوضع الحالي وأن الحل العسكري يمكن أن يكون ملاذا آخيرا إلا أن كونه الأخير لا ينفي إمكانية اللجوء إليه عند الضرورة وهو ما أوضحه وزير الدفاع ليون بانيتا. وفي إيباك استهل نيتانياهو خطابه بإستراتيجية مفزعة للرأي العام الأمريكي غير المدقق في السياسة العالمية, فقام بإرسال عدد من الرسائل وهي: أن إيران النووية سوف توفر مظلة نووية لحركتي حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان ويتقوم بقطع إمدادات النفط وغلق مضيق هرمز أمام الناقلات في إبتزاز للعالم كله وأن الشرق الأوسط مهدد بسباق للتسليح النووي حيث يمكن أن تسعي مصر والسعودية وتركيا إلي حيازة التكنولوجيا النووية لإنتاج أسلحة وفوق كل ما سبق سيحل الدمار بإسرائيل وبالتالي ليس أمام إسرائيل سوي الدفاع عن نفسها وأن تدعمها أمريكا والعالم وأن الانتظار يزيد من شبح الإبادة, الإدارة الأمريكية لاتريد تقديم ضمانة بالمشاركة في عمل عسكري في الوقت الحالي حتي لا تنجرف إلي صراع تطلق شرارته إسرائيل وتتورط أمريكا في الباقي ويشير القادة العسكريون الأمريكيون إلي أن ضرب إيران لن يكون نزهة حيث ان الطبيعة الجغرافية للبلاد تسمح بإخفاء البرنامج النووي وتطويره بعيدا عن التهديد. كما أن الإدارة تري في العمل العسكري إنفراطا متوقعا للتحالف الدولي للعقوبات ضد طهران وهو يضم خليطا يندر أن يجتمع من روسيا إلي الهند ومن الصين إلي اليابان بالإضافة إلي الحلفاء الغربيين التقليديين. ولم يكن مستغربا أن تقبل الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا العرض الإيراني لبدء التفاوض من جديد حول القدرات النووية في اليوم نفسه الذي شد أعضاء إيباك الرحال إلي الكونجرس نحو مزيد من الضغوط لدعم إسرائيل في شن حرب علي إيران أو إعلان سياسة واضحة بالتحرك الأمريكي لو خصبت طهران اليوم بمعدلات تصل بها إلي صناعة قنبلة نووية. الصراع المكتوم بين نيتانياهو وأوباما يمتد في أجواء من عدم الثقة بينهما, تحجب بموجبه الحكومة الإسرائيلية معلومات وتقديرات استخبارية عن تحركاتها ضد إيران وهو ما يثير حفيظة الرئيس الأمريكي ويدفعه إلي توجيه عبارات حادة كلما أتيح له نقد إسرائيل علي استحياء.. فهو يخشي أن يصحو علي برقية عاجلة ببدء الهجوم وساعتها ستجد أمريكا نفسها متورطة رغما عنها في حرب غير معلومة النهايات ضد خصم أشرس بكثير من أعداء سابقين في الشرق الأوسط. المصدر: الاهرام الامصرية 8/3/2012م