تناثرت هنا وهناك وتطايرت من داخل أحزاب عديدة بعضها في السلطة وبعضها معارضة خلافات، وأزمات داخلية بشأن الترشيحات للمناصب والدوائر الجغرافية المختلفة، فالمؤتمر الوطني عاش هذه الأزمة على أكثر من مصير وفي أكثر من دائرة، وأعلن بعض منسوبيه الذين استبعدوا من الترشح أسلافهم وترشيح أنفسهم مستقلين كما حدث في ولاية كسلا، وحزب الأمة بزعامة السيد الصادق عاني هو أيضاً من ذات الأمر في الولاية الشمالية وتحديداً دنقلا ولا يزال يعاني من ذات المشكلة على أصعدة مختلفة، الحركة الشعبية أيضاً مرت بالتجربة ولا تزال تداعياتها تتفاعل وهكذا، كل حزب ثارت بداخله أزمة بدرجة ما بسبب قرارات الترشيح. فهل يعتبر هذا المشهد دليلا لعافية أم هو في الواقع نذير سوء ومؤشر لازمات داخلية تعيشها هذه الأحزاب؟ الواقع أن الإجابة على هذا السؤال – بقدر صعوبتها – إلا أنها نسبياً يمكن القول أنها سهلة، فهذه الأحزاب مقبلة على استحقاق انتخابي ليس له مثيل في التاريخ الحديث للسودان، فهو استحقاق انتخابي يجري في ظل متغيرات كبيرة حيث تبدل الواقع السياسي والثقافي والتركيب السكاني للسودان طوال العقود المنصرمة، وعرفت الساحة ربما لأول مرة نظاماً سياسياً متحدثاً وهو النظام الرئاسي، إذ أن النظام السياسي القديم المتعارف عليه في الحقب الديمقراطية في السودان هو النظام النيابي حيث يتم اختيار النواب ومن ثم يقوم صاحب الأغلبية بتشكيل كامل الحكومة من وزراء وحكام وغيره . الآن الترشيح يتم لكافة مستويات الحكم التنفيذية (الرئيس والولاة) والنيابية (المجلس التشريعي المركزي) ومجالس الولايات إضافة إلى حاكم الإقليم الجنوبي ومجلسه التشريعي وولاته. وبالطبع في ظل نظام معقد كهذا، يتم فيه اختيار طاقم الدولة بأسره عبر صناديق الاقتراع بما يجعل من الطاقم في نهاية المطاف طاقم آت من زخم شعبي مباشر، وان أي مرشح حصل على ثقة الناخبين يستمد شرعيته من الناخبين مباشرة لا أن يكون قد وقع عليه الاختيار من جهة أخرى، هذا الواقع يمثل أخطر عملية انتخابية يشهدها السودان حيث يتقاسم السودانيون السلطة على كافة مستوياتها ولهذا فان من الطبيعي – إزاء ذلك – أن تحتدم الغربة في الصدور لدي كل شخص يأنس في نفسه الكفاءة لنيل ثقة ناخبيه، فالتجربة فريدة وغير مسبوقة هذا من جانب، ومن جانب ثان، فان سلطة المرشح، تستمد من سلطة ناخبيه ثم تصب في وعاء الزخم الجماهيري للحزب الذي ينتهي إليه ولهذا فان إصرار شخص ما على الترشح ربما لا يكون دافعاً ذاتياً خاصاً به، وإنما هو مدفوع من ناخبيه من منطقته أو من أبناء دائرته الجغرافية. من هذه الزاوية يمكن القول أن هذه النزاعات الداخلية بشأن الترشيح دليل عافية، غير أن هذا لا ينفي من الجانب الأخر كونها نذير سوء بدرجة اقل، إذ أنها أحيت عصبية قبلية، أو جهويه فوق الالتزام التنظيمي، وهذه النتيجة المؤسفة على سؤها إلا أنها قابلة للعلاج بالمزيد من ترسيخ التجربة والمزيد من المران الديمقراطي، فالعملية الديمقراطية هي في الحقيقة، مسيرة طويلة لا تبلغ تمامها بين عشية وضحاها!!