جاء الاتفاق الإطاري الخاص بالحريات الأربعة الذي تم توقيعه بين الحكومة السودانية والحكومة الجنوبية في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا بتاريخ13 مارس2012 في (3) أجزاء، هكذا سمَّاها طرفاها "أجزاء" بدلاً من فصول أو أبواب كما هو متبع في العادة بشأن الاتفاقيات والدساتير والقوانين ولعل السبب في ذلك يرجع إلي بساطة النصوص وقلّتها، وكون أن الاتفاق في حد ذاته لا يعدُ كونه (إطاراً عاماً) صّب عليه طرفاه إرادة سياسية محتملة مستقبلاً لوضع التفاصيل وتفاصيل التفاصيل، وتأكيداً لهذه الحقيقة فإن الاتفاق تم التمهيد له بمقدمة ورد فيها في أعلي الاتفاق كديباجة له "أكد الطرفان علي رغبة شعبي السودان وجنوب السودان علي التعايش السلمي وبناء علاقات متناغمة وحسن الجوار فيما بينهما"ويُفهم من ذلك – وهذه احدي أهم النقاط التي من الضروري قراءتها بإمعان – أن الهدف المباشر للاتفاق، هو ترسيخ رغبة (شعبي البلدين) في التعايش السلمي وبناء علاقات وحسن الجوار. وتقودنا هذه النقطة إلي أن مبدأ التعايش السلمي وبناء العلاقات وحسن الجوار هو ليس فقط الهدف الأسمى للشعبين ولكن هو في الواقع الأساس الذي لا غني عنه مطلقاً لسير الحياة طبيعية بين الجانبين وحلحلة خلافاتهما، أو حتى أن وجدت هذه الخلافات لا تكون خلافات تأكل الأخضر واليابس، وتفسد كل شئ، ومن الضروري أن نشير هنا إلي أن الكثيرين ممّن صوَّبوا انتقادات جارفة للاتفاق تجاهلوا أو تخطُّوا هذه الديباجة الشديدة الأهمية، كون أن من المستحيل تماماً انسياب التفاهم والتعامل المشترك بين البلدين – في شتي المجالات – دون الاستناد علي عوامل التعايش وبناء الثقة وحسن الجوار. ولهذا يمكن القول أن الاتفاق وعلي الرغم من أنه نصَّ علي مبادئ عامة بشأن الحريات الأربعة (التنقل، التملُّك، الإقامة، النشاط الاقتصادي) إلاّ أنه أبدي اهتماماً أكبر بالأسس والقواعد المهمة لبناء علاقات جديدة بين الطرفين وهو ما استلزم التأكيد مراراً وتكراراً من جانب وفد التفاوض أن الأمر يقتضي توفير مناخ إيجابي جيَّد ذي طابع سلمي بعيداً عن الخلافات الأمنية، والجهات العسكرية التي تدعمها جوبا باستمرار مستفيدة من عدم إلغاء اللوم عليها دولياً. في "الجزء الأول" من الاتفاق وفي (6) فقرات تحدثت النصوص عن اللجان المشتركة بين الجانبين المقرر إنشاءها من وزراء داخلية كل بلد، وطريقة عقدها لاجتماعاتها وحقها في تكوين لجان فرعية وحقها في الاستعانة بمن تريد. ويلاحظ هنا أن النصوص أوكلت الأمر لوزراء داخلية البلدين بما يُفهم منه أن الأمر ذي طابع عملي محض، كما أن النصوص قررت أن يعقدا اجتماعهما في غضون (أسبوعين) بما يشير أيضاً إلي أن الأمر يستحق الاهتمام بتسريع العمل بما يستفاد منه أن الجانبين يتحاشيان ترك مواطنيهما عقب انقضاء فترة السماح (9ابريل2012) هكذا بلا وجهة ولا سند أو شئ يعِّولون عليه وهذه إشارة ايجابية يستشف منها حرص الطرفين علي ألا يُضار المواطنين – في كل بلد – من مقتضيات السياسية أو النزاع القائم بحال من الأحوال. في الجزء الأول أيضاً تحدثت النصوص عن حق الطرفين في طلب المساعدة الفنية من لجنة الاتحاد الأفريقي والتي عليها – ينصّ الاتفاق – تقديم المساعدات الفنية المطلوبة. وهذه النقطة يُستشف منها أن الطرفين –ونظراً لحداثة كل منهما بأمر كهذا كون أن تجربة الانفصال بالنسبة لها تقع للمرة الأولي فهما في حاجة لجهة فنية أو تملك تقديم المساعدات الفنية، والمساعدات الفنية المتصورة في هذا الصدد ربما تتمثل في تجارب سابقة أو عمليات الحصر وكيفية تنفيذها، أو كيفية معالجة قضية الهوية وهكذا. في الجزء الثاني المكون من (3) فقرات نصَّت الاتفاقية علي الحريات الأربعة (التملك، الإقامة، التنقل، النشاط الاقتصادي) وأشارت إلي نص مهم جداً الفقرة (2) علي أنه (لا يجوز حرمان الشخص الذي يتمتع بأي من الحرية التي يمنحها هذا الاتفاق بسبب تعديل أو إنهاء الاتفاق). وهو نصّ يٌقرأ في سياق (ضمانة سياسية وقانونية) لمواطني الدولتين تحسَّباً لأي تقلبات قد تأتي بها رياح السياسة في أي وقت من الاتفاق إذا لا ينبغي أن يتضّرر أي مواطن من الجانبين- مارس أي حرية من هذه الحريات – جراء إلغاء الاتفاقية لأي سبب. أما في الجزء الثالث والأخير فقد تم إيراد أحكام متفرقة تناولت كيفية تسوية النزاع الذي يثور بسبب هذه الاتفاقية حيث يتبع فيه (الطريق الودي) حيث لا حاجة البته لجهة دولية أو تحكيم أو محكمة تحكيم. وهذه نقطة مهمة لأن الجانبين اعتمدا آلياتهما الخاصة – فيما بينهما – للحل. كما تحدثت الفقرة (6) من هذا الجزء عن التعديل بموافقة الدولتين ثم تحدثت عن الإلغاء الذي يشترط فيه أن يتم كتابة مع سريان الإلغاء بعد (30) يوماً من تاريخ الاتفاق عليه. هكذا وردت نصوص الاتفاق الإطاري بسلاسة ودون تعقيدات بما يُفهم منه أن الطرفين يعِّولان علي حسن النية وعامل الثقة والنأي عن التعقيدات وهي أمور مهمة وضرورية لتنفيذ الاتفاق والمحافظة علي علاقة شعبي البلدين علي الأقل في مستوي مناسب.