نقل القائم بالأعمال الأمريكي بالخرطوم بالإنابة (لاري أندري) إلى المسئولين السودانيين – الأحد الماضي – رغبة بلاده في عقد مؤتمر اسطنبول الاقتصادي المخصص لدعم الاقتصاد السوداني. وقال القائم بالأعمال الأمريكي بالإنابة لوكيل وزارة الخارجية السودانية السفير رحمة الله عثمان، أن واشنطن تجري في هذه الأثناء اتصالات مكثفة مع تركيا لعقد المؤتمر على أن يجري تحديد مستوى مشاركة واشنطن لاحقاً. على صعيد موازي حرص المبعوث الأمريكي الخاص لدارفور (دان سميث) على التأكيد للجانب السوداني أن بلاده ترغب في تنشيط دور وكالة المعونة الأمريكية للقيام بدورها في إيصال المساعدات إلى إقليم دارفور. يأتي هذا التطور الذي يعطي ملمحاً ايجابياً من جانب الولاياتالمتحدة تجاه قضايا السودان في ظل بوادر انفراج بدأت تلوح في الأفق بشأن التوتر القائم بين جوباوالخرطوم، بعد زيارة وفد جنوبي عالي المستوى ترأسه باقان أموم أمين عام الحركة الشعبية بدولة الجنوب إلى الخرطوم الأسبوع الماضي أجرى خلالها مباحثات وصفت بأنها بناءة من شأنها التحضير والإعداد للقاء قمة سوداني جنوبي ينتظر أن تشهده العاصمة الجنوبية جوبا مطلع ابريل القادم. إذ يبدو أن واشنطن تشجع ما تم من محادثات جنوبية سودانية، وما هو مزمع من لقاء قمة بين الرئيسين البشير وكير والذي يعول عليه في حسم كافة القضايا الخلافية بينهما. ومن الواضح هنا – دون أدنى شك – أن واشنطن تلعب لعبة الجزرة الشهيرة المعروفة بتلويحها بعقد مؤتمر اسطنبول الاقتصادي والذي كان مقرراً له شهر مارس الجاري بمدينة اسطنبول التركية ولكن واشنطن – بحساباتها الخاصة – عملت ما في وسعها لعرقلة انعقاد المؤتمر، ليتعرقل بالفعل ويترك موعد انعقاده بلا تحديد. كان واضحاً أن واشنطن تمارس ضغوطاً على الحكومة السودانية أملاً منها في أن تقدم الخرطوم تنازلات لصالح جوبا وهو ما لم يتحقق. أن من المفروغ منه في هذا المنحى أن واشنطن كانت تستشعر فداحة الورطة التي وقعت فيها جوبا جراء قرارها بوقف ضخ النفط لعدم التوصل لاتفاق على سعر نقله وتصديره عبر المواني السودانية، في ظل تمترس الخرطوم على موقفها ولم يكن هنالك من حل إلا بأن تبادر جوبا بطرح مقترح قمة ثنائية تعقد في جوبا سعياً للتوصل لحل مرض للطرفين ولحلحلة بقية القضايا العالقة التي تتضمن الحدود وأبيي وقضايا المواطنة والجنسية. ولهذا فإنه وما أن انفتحت هذه (الكوة الصغيرة) ودبت الحياة في جسد العلاقات السودانية الجنوبية وصار من المحتمل التوصل لحل حتى سارعت واشنطن للتلويح للسودان بقطع حلوى ومحاولة اجتذابه لهذا الجانب بالحديث عن مؤتمر اسطنبول والمعونة الأمريكية. لقد ثبت الآن أن واشنطن بالفعل – وخلافاً لنكرانها المغلظ – استخدمت مؤتمر اسطنبول كورقة ضغط على الجانب السوداني حين كانت تنتظر أن يقدم الجانب السوداني التنازلات المطلوبة وها هي الآن (تسحب) هذه الورقة وتضعها في جيبها الخلفي تمهيداً للمرحلة الحساسة الدقيقة المقبلة. غير أن الأمر بالنسبة للخرطوم يبدو مكشوفاً، فقد أكدت الخرطوم – دون أي التفات إلى الجزرة الأمريكية – أن وصول البشير إلى جوبا رهين بمعالجة الحلقة الأمنية الساخنة، وبؤر التفلتات التي عبثت بها جوبا طويلاً جداً، حيث لا مجال لإهدار الوقت في أحاديث رئاسية وحوارات دون أن تصحبها (ترجمة فعلية) على الأرض يثبت من خلالها أن جوبا تحترم سيادة وأراضي الدولة السودانية وأنها لن تتمكن في المستقبل من معاودة العبث بذات الأوراق!