بصرف النظر عن ما يجري من محادثات بين الجانبين السوداني والجنوبي في أديس أبابا، وما أسفرت عنه، وما قد تسفر عنه هذه المحادثات فإن ما ارتكبته قوات الجيش الشعبي التابع لحكومة جنوب السودان في منطقة هجليج، ومنطقة تلودي بجنوب كردفان، ماي نبغي أن يمر دون عقاب أو محاسبة، ففي مجمل النتائج فإن ما جري يعد عدواناً صريحاً غير مبرر على الإطلاق أسطع دليل عليه –بعيداً عن أي مغالطة – إقرار الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت، في لقاء جماهيري وعلى رؤوس الاشهاد بالهجوم علي هجليج. لقد عاودت قوات الجيش الشعبي الهجوم على هجليج مرة أخرى، بقوات إضافية في مسلك يعتقد أنه قائم على محاولة بائسة من الحكومة الجنوبية لاحتلال هجليج إنقاذاً لمصداقية الرئيس الجنوبي وحفظاً لماء وجهها وهو ما لم يتحقق وتبدو دونه صعوبات تعد في حكم المستحيل. في تلودي بولاية جنوب كردفان يبدو المشهد العام للعدوان الجنوبي في غاية البشاعة إذ تشير التقديرات إلي موجة نزوح تجاوز الخمسة وعشرين ألف نازح حتى الآن – الاثنين الماضية – وقالت مصادر مطلعة هناك أن حركة النازحين لا تزال على أشدها مما استدعي تشكيل غرفة طوارئ بواسطة الحكومة السودانية لإيواء هؤلاء النازحين. كما يشير شهود عيان تحدثوا ل (سودان سفاري) من هناك إلى أن قوات الجيش الشعبي ارتكبت جرائماً بشعة في المنطقة تتجاوز جرائم الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان إلى ما هو أسوأ وأبعد من ذلك، حيث يستهدف المدنيين خاصة النساء والأطفال على نحو غريب، ويستخدم الجيش الشعبي – بحسب مشاهدات هؤلاء الشهود – أسلحة ثقيلة (مدافع الهاون والاربجي) في حصد أرواح الأطفال والنساء من مسافات قريبة وبأسلوب تشفي وانتقام بالغ البشاعة والغرابة. ويؤكد شهود العيان أن بنادق الجيش الشعبي الجنوبي تستهدف فيما يبدو حرق هذه المناطق وإخلاء سكانها منها – موتاً أو نزوحاً – حتى يسهل السيطرة عليها، والغريب – بحسب ما يقول شهود العيان – أن المعتدين يجتهدون في تحاشي ملاقاة الجيش السوداني وبعضهم يفر ويهرب من المواجهة مع الجيش السوداني، ولكن تحلو له عمليات القتل والتنكيل بالمدينتين. وكانت قمة عمليات الانتقام التي نفذها بعض الجنود المعتدين عملية ذبح لأحد أطباء مستشفي تلودي، وقيل أنه يشغل منصب أمين عام المستشفي ومعه عدد من زملائه، قامت قوات من الجيش الشعبي بذبحهم علناً ومثلت بجثثهم حتى تنتقم منهم جراء قيامهم بواجبهم الطبي والإنساني في إسعاف وإنقاذ المرضي، أن ما جري في منطقة تلودي – بكل هذا الغل والحقد الأعمى – مرده إلي استعصاء إسقاط المدينة وصعوبة سيطرة المعتدين عليها، فقد كانت ولا تزال مدينة تلودي هدفاً للمعتدين لموقعها الاستراتيجي البالغ الأهمية والخصوصية كونها معبراً وجسراً رابطاً لكافة أنحاء وطرق ولاية جنوب كردفان. فيا تري هل تعي منظمات حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية والأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأسره الجرائم التي فاقت حد الوصف في أنحاء جنوب كردفان؟ من المؤكد أن جميع هؤلاء يعلمون بهذه الجرائم ولديهم أدلة عليها، ولكنهم – وكما هو ثابت ومعروف – لا يجرؤون على التحرك ضدها ولو بالإدانة النظرية التي لا تتجاوز مجرد الشجب العابر من على أطراف اللسان!!