واقعان مختلفان، يرسمان طبيعة العلاقة بين السودان وجنوب السودان، الأول ما يجري على الحدود من معارك ضارية، والثاني ما يدور في أديس أبابا من مراوحة للمحادثات المنعقدة بين الطرفين للوصول إلى اتفاق حول القضايا العالقة . وحتى أمس، كلما ازدادت ضراوة المعارك، ارتفعت حدة الاتهامات بين الجانبين، وما بين مساحات التفاؤل بالوصول إلى تهدئة واتفاق، وبين التشاؤم باستمرار المعارك وعدم بلوغ اتفاق سلمي، تتسع حيرة المراقبين، كما تتسع حالة التصعيد الراهنة عسكرياً وسياسياً . وتؤكد المصادر أن الاشتباكات العسكرية، تعد الأعنف بين الجانبين، حتى منذ استقلال السودان وأيام الحرب الشاملة، ولاتزال التقارير تؤكد وجود حشود عسكرية للجانبين على الحدود . ولا يبدو في الأفق ما يستند إليه للتفاؤل باقتراب اختراق أو حتى تهدئة مبدئية، ليجلس الطرفان وجهاً لوجه لحل المشاكل، على الرغم من استجابة الطرفين لطلب الوساطة الإفريقية بوقف التصعيد الإعلامي لخلق أجواء مواتية للتفاوض، فالجدل الدائر هناك في أديس أبابا، حول أجندة التفاوض نفسها، يدلل على أن الطرفين لا يكترثان كثيراً، إذا ما تفاقمت الأمور، وعادت الحرب الشاملة بينهما، وحتى الوساطة الإفريقية لازالت تلهث وهي تهرول بين قاعة وأخرى، تحمل تارة شروط هذه المجموعة وتارة اقتراحات تلك، ولم يلتق الطرفان في منطقة وسطى، على الأقل حتى أمس . وتؤكد مصادر، أن الملف الأمني صار هو المهيمن على المفاوضات، ويشكل الدرجة الأولى في سلم الوصول إلى الأجندة الأخرى، وقد سارعت الوساطة إلى دعوة وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم محمد حسين بعدما احتج الوفد الجنوبي على تقليص وفد الخرطوم، وقد وصل إلى هناك أمس وانضم للجنة الترتيبات الأمنية . وعلى الأرض في هجليج الحدودية لاتزال المعارك دائرة، حسب المصدر الرسمي في الجيش السوداني، فقد نفذت الحركة الشعبية هجوماً جديداً على المنطقة “هجليج وتلودي" . وأفاد المتحدث باسم الجيش العقيد الصوارمي خالد سعد، أنه في تطور جديد للأحداث بولاية جنوب كردفان، توغل الجيش الشعبي التابع لحكومة جنوب السودان، داخل حدود السودان أمس بمسافة ثلاثة كيلومترات في منطقة التشوين بمنطقة هجليج . واعتبر الصوارمي الخطوة خرقاً واضحاً لكل المواثيق الدولية . وقال إن القوات المسلحة تقوم بالتعامل مع هذه القوات المعتدية . وسارع وفد الخرطوم، بتسليم الوسيط الإفريقي، تقريراً في الخصوص، وطلب من الوساطة إلزام الحركة بنزع السلاح من أبناء جبال النوبة وخروج جيشها من جنوب كردفان كأولوية في المناقشات، غير أن الحركة رفضت ذلك ونفت صلتها بقضية جبال النوبة . ويبدو واضحاً أن الملف الأمني يهيمن على المفاوضات التي جرت ليوم واحد، وتوقفت، كما توقفت الآمال بعقد قمة جوبا التي انهارت قبل أن تبدأ بفعل المعارك في هجليج . ويكشف ما نقله وزير الداخلية السوداني إبراهيم محمود لرئيس الوساطة ثامبو امبيكي، تضاؤل الآمال بالوصول إلى اتفاق بين الطرفين، حين قال بان اعتداءات الجيش الشعبي وهجومه على هجليج والاعتداء على تلودي واشتراك الفرقة الرابعة للجيش الشعبي في عمليات لصالح المتمردين، تجعل من المستحيل الاستمرار في التفاهمات . ولا يبتعد محمود من إلقاء الضوء على حالة التناقض، بالقول إن رئيس اللجنة الأمنية هو وزير الدفاع، لكن نسبة للأحداث الدائرة الآن لا يمكن للجيش أن يقاتل ويدافع ويذهب للتفاوض . وعلى الرغم من اتفاق الطرفين على أن الأولوية هي كيفية تجاوز حالة التصعيد الراهنة وتهدئة الأوضاع بين البلدين عسكرياً وسياسياً، إلا أن واقع الحال يشير إلى عكس ذلك، فالخرطوم ترى أنه لا توجد تناقضات في مواقفها التفاوضية، وما تفعله على الأرض هو دفاع عن النفس والوطن ولن تستبدله بأي أمر آخر حتى يتوقف الاعتداء الجنوبي كشرط للتوصل لاتفاق، مشيرة إلى أن ما يجري في أديس أبابا في إطار الترتيبات الأمنية وليس الوضع السياسي . حزب “المؤتمر الوطني" الحاكم دعا مجلس شوراه إلى اجتماع طارئ لبحث تطورات النزاع الحالي، وقال إن ما يجري يحتاج لاجتماع عاجل لبحث مختلف المستجدات . ولا يبدو الحزب الحاكم كجزيرة معزولة، حين يصف الحديث عن السلام وانفصال جنوب السودان، بمؤامرة دولية كبيرة القصد منها استهداف السودان . وقال رئيس مجلس الشورى أبو علي مجذوب “قلنا للرئيس البشير، نحن في حاجة لاجتماع عاجل للشورى للنظر في ما يدور حولنا من مؤامرات وصلت إلى حد الاعتداءات المتكررة" . وتؤكد المصادر أن الجيش الشعبي، يجري بالتنسيق مع قوات الجبهة الثورية استعدادات عسكرية مكثفة للهجوم على حقل “دفرة" في جنوب كردفان، واشارت إلى إعداده نحو 2000 جندي بمحافظة ميوم في ولاية الوحدة بقيادة فضل الله أم سيسي وحامد السرير للهجوم على المنطقة . نقلا عن دار الخليج 3/4/2012