لا حِجر بالطبع على قوى المعارضة السودانية قاطبة أن تمدّ جسور الصلة مع من تشاء من المكونات السياسية محلياً وإقليمياً ودولياً، ففي ذلك فسحة تكفلها لها قواعد الممارسة السياسية بحكم أنها – أى هذه القوى – مشروع لحكومات فى المستقبل. ولهذا فإن إدعاء قوى المعارضة أنَّ بإمكانها الإسهام فى حلحلة القضايا الخلافية الناشبة بين السودان ودولة جنوب السودان أمر ينبغي النظر إليه فى ذات هذا الإطار السياسي دون غمط هذا الطرف أو ذاك حقه. ولكن ليست هذه هى المشكلة وإنما المشكلة كل المشكلة فى (طبيعة العلاقة) وطبيعة النظرة التى تنظر بها هذه القوى للطرف الجنوبي. المعضلة كما نراها تبدأ وتنتهي بإعتقاد سياسي خاطئ دون أدني شك يتمثل فى أن قوى المعارضة السودانية لديها اعتقاد ان الحركة الشعبية الحاكمة فى دولة جنوب السودان – وبحكم صلات سابقة جمعتها بهذه القوى المعارضة – أزمتها فقط مع المؤتمر الوطني، وأنها – فيما عدا ذك – لا أزمةَ لها مع أحد وليست ضد أحد! هذه العقيدة السياسية المتمكنة من أذهان وعقول قوي المعارضة والتي ظلت تترجم فى تصريحات متواصلة من زعماء أحزاب المعارضة هى مكمَن الأزمة، وهى النقطة الخطيرة التى لم ينتبهوا لها حتى الآن. الحركة الشعبية الحاكمة فى دولة جنوب السودان أسيرة لقوى دولية وإقليمية لا تفرق – لأي سبب كان – بين قوى المعارضة والأحزاب الحاكمة، فهي تضع خططاً عامة لمصلحتها وتستخدم كل من تجده أمامها – بالوسيلة المناسبة – للوصول الى مبتغاها. وغنيّ عن البيان هنا ما حدث من جانب الحركة قبل الاستفتاء تجاه حلفائها فى تجمع المعارضة السودانية حينها، لمّا خدعتهم وانسحبت – بمكرٍ وخُبث – فى الاستحقاق الانتخابي 2010م تاركة هذه القوى تتلفّت يُمنةً ويُسرة لا تدري ما تفعل! لم تكن تلك الخدعة الأولي، فقد درجت الحركة الشعبية أيام شراكتها مع المؤتمر الوطني على استخدام قوى المعارضة استخداماً مخجلاً فى مرات عديدة كانت جميعها تصب فى صالحها وحدها. تكرر ذلك أكثر من أربعة مرات حتى عجب الناس غاية العجب، كيف لقادة هذه القوى السياسية أن يصلوا الى هذا الدرك من الضعف والغباء السياسي؟! إن قوي المعارضة السودانية فيما يختص بأمر خارجي خطير يمسّ مصالح البلاد العليا ما ينبغي أن تتخذ موقفاً مغايراً، فلو أنها أدانت جهراً وبشدة الاعتداءات الجنوبية السافرة على جنوب كردفان والنيل الازرق لأدركت الحركة الشعبية وهى مفزوعة ومتوترة أن الجبهة الداخلية السودانية عصيّة على الإختراق وهذا فى الواقع ما يغلّ يدها و يَد القوى التى تحركها على مواصلة خططها وأهدافها. إن أحداً لا يمكن أن يحول دون أن تشارك قوي المعارضة السودانية طالما عاد إليها الوعي والشعور بالمسئولية الوطنية فى حلحلة قضايا البلاد، لكن هذا الأمر يقتضي إيضاح مواقفها حيث لا يمكن أن تقف موقفاً (حيادياً) فى شأن وطني واضح كالشمس لا يحتمل أكثر من تفسير واحد!