عاودت الحكومة الجنوبية عدوانها السافر على أراضي سودانية؛ وقال بيان صادر عن الجيش السوداني - الثلاثاء - إن قوات تابعة للجيش الشعبي الجنوبي هاجمت منطقة هجليج النفطية داخل الأراضي السودانية، وتصدى لها الجيش السوداني، وأنَّ المعارك دائرة بين الطرفين ولم ينجل غبارها بعد. لقد تأكد الآن – بما لا يدع مجالاً للشك – أن لدولة جنوب السودان نوايا عدوانية تجاه السودان وأنَّ هذه النوايا -بالكيفية التي تتم ترجمتها من قبل الحكومة الجنوبية على الأرض- ربما تصل الى حد الحرب والمواجهة الشاملة، إذ أن هذه ليست هى المرة الأولى التى يعتدي فيها الجيش الشعبي على أراضي سودانية مستهدفاً احتلالها والسيطرة عليها. ولهذا فإن ردة الفعل السودانية تبدو هذه المرة مختلفة تماماً. ففي كل المرات السابقة كان الجانب السوداني يتصرف بقدر من ضبط النفس والحرص على عدم تعميق مدّ المواجهة، ويبدو أن الحكومة الجنوبية قد أخطأت في تفسير هذا الموقف واعتبرته ضعفاً، على الرغم من ان التجربة التراكمية الطويلة التي رسخها الجيش السوداني – لما يجاوز العقدين – في أذهان قادة الجيش الشعبي الجنوبي ومعرفتهم لا تشوبها شائبة بقدرات هذا الجيش واستحالة إلحاق الهزيمة به. ليس هناك من شك إن العدوان على هجليج الهدف منه ممارسة أقصى درجات الضغط على الحكومة السودانية بغية دفعها لتقديم تنازلات في مفاوضات أديس أبابا، وفي القمة الرئاسية المرتقبة بين الرئيسين البشير وسلفا كير؛ كما أن واحدة من أهداف العدوان إيقاف النفط السوداني حتى يختنق السودان اقتصادياً ويجبره ويضطره ذلك للقبول بتسوية شاملة حافلة بالتنازلات! الفكرة كما قلنا وأوردنا ذلك أكثر من مرة أمريكية، ومن بنات أفكار المندوبة الأمريكية فى مجلس الأمن سوزان رايس، فهي أوحت الى القادة الجنوبيين بها، حتى يمكن السيطرة على السودان إما في طاولة المفاوضات، أو على المدى البعيد ضمن إطار القضايا التي لا تزال عالقة بين واشنطن والخرطوم. فكرة رايس ايضاً تقع ضمن إستراتيجية أمريكية – قصيرة المدى – بتقوية الدولة الجنوبية سياسياً وعسكرياً على حساب الدولة السودانية، بحيث تختلّ المعادلة بين الدولتين وتصبح الدولة الجنوبية لها اليد الطولي. لقد كان واضحاً أن رايس ضمنت لجوبا (هجوماً آمناً) على هجليج لا يعقبه انعقاد طارئ لمجلس الأمن لإدانة الطرف المعتدي، ولو لم تحصل جوبا على هذا الضمان لما غامرت ولا دار فى خلدها القيام بخطوة خطيرة كهذه. إن خطأ الحكومة الجنوبية الاستراتيجي الخطير فى هذا الصدد أنها - بهذا العدوان وما سبقه - أكدت للسودان حكومة وشعباً وليس حكومته فقط، أنها عدو محتمل للسودان لا يرعى دواعي التاريخ ولا روابط الجغرافيا، وهو ما بدا يعمل فعلاً على تقوية الجبهة السودانية الداخلية، كما بات يسحب البساط من أي إمكانية لتعامل جيّد مع جوبا أو على الأقل مع الحركة الشعبية الحاكمة هناك. وتشير متابعاتنا فى هذا المنحى أن بوسع السودان – الآن – قبل الغد أن يفعل ذات الشيء؛ بل وأن يتقدم خطوات مؤثرة داخل العمق الجنوبي، ولكن هنالك تقديرات وحسابات خاصة بالمستقبل ولما هو آتٍ، تضعها القيادة السودانية نصب أعينها . إن العدوان الذي تم لا يمكن اعتباره نجاحاً إستراتيجياً، فهو كغيره من القرارات الخاطئة له ثمن باهظ سياسياً وعسكرياً ومن المؤكد أنَّ الجيش السوداني سوف يفعل الكثير مما سيجعل الدنيا تنظر مشدوهة الى الأمر وتتمني لو لم يفعل الجيش الشعبي ما فعل!