أعلنت الخرطوم رفضها القاطع لقرار مجلس وزراء دولة جنوب السودان وتعمده ضم هجليج وعدد من المناطق المتنازع عليها في الخريطة الرسمية لدولة الجنوب التي اعتمدتها الجمعة الماضي لأول مرة منذ انفصالها في يوليو من العام الماضي، وتضمنت الخريطة ضم منطقة هجليج ضمن 6 مناطق قال مجلس الوزراء في جوبا إن السودان قام بضمها في العام 1970 عقب اكتشاف النفط بها. وأكدت الخرطوم على لسان وزير الإعلام الدكتور غازي الصادق عبد الرحيم، أن هجليج أرض سودانية وليست محل نزاع، وهددت الحكومة بشكوى دولة الجنوب رسمياً للجهات الدولية والإقليمية حال ثبوت اعتمادها لهجليج والمناطق المتنازع عليها في خريطة دولتها الرسمية، ووصفت الخطوة بأنها تعدٍّ واضح وسافر على أراضي السودان. وقال وزير الإعلام في تصريحات صحافية إن السودان يرفض الخطوة التي أقدمت عليها دولة الجنوب ومجلس وزرائها، وأشار إلى أن هجليج أرض سودانية مائة بالمائة وفق الخرائط الرسمية والتحكيم الدولي وأنها ليست محل نزاع مع دولة الجنوب. وحذّر الوزير من مغبة المضي في الخطوة، وأضاف "الجنوب سار في اتجاه خاطئ"، مؤكداً قدرة السودان على حماية المنطقة بكافة أشكال القوة، وقال إن الحكومة ستتخذ الإجراءات المناسبة في مقبل الأيام بعد التأكد من المعلومات بصورة رسمية. وأوردت «سودان تريبيون» أمس الأول أن الخريطة ضمت المناطق التي يقول المسؤولون في جوبا إنها ضُمت بصورة غير قانونية للسودان من قبل الأنظمة المتعاقبة في الخرطوم. وكانت الحركة الشعبية وإبان احتلالها لهجليج قد قالت على لسان نائب رئيس حكومة الجنوب، د. رياك مشار، أن منطقة هجليج التي أخرجها قرار محكمة لاهاي من التبعية لمنطقة أبيي، تتبع لولاية الوحدة كما قَالَ لوكا بيونق وزير شؤون الرئاسة في حكومة الجنوب، إنّ قرار المحكمة بإخراج مناطق البترول خاصةً منطقة هجليج خارج حدود أبيي لا يعني تبعية المنطقة للشمال. وقال بيونق «لمرايا أف أم»، إنّ منطقة هجليج تقع ضمن مناطق النزاع الحدودي بين ولايتي الوحدة وجنوب كردفان، وأكّد أنّ حكومة الجنوب لديها وثائق تثبت تبعية المنطقة لولاية الوحدة. لكن محللون يصفون حديث د. رياك مشار حول تبعية منطقة هجليج إلى ولاية الوحدة بانه التفاف وعدم اقرار واعتراف بقرار المحكمة الملزم للطرفين ومحاولة لأخذ ما يرضي في القرار والدفع بما لا يرضي، فالقرار – بحسب المراقبين - واضح وملزم ولذلك غير منطقي أن تدّعي الحركة الشعبية بان هجليج جزء من أبيي وعندما تقضي المحكمة بغير ذلك تدّعي بانها جزء من ولاية الوحدة، بل هذا فيه رد على اتهام الحركة للحكومة بأنها تسعى في نزاع أبيي إلى النفط بان الحركة هي التي تسعى إلى النفط بحديثها عن تبعية هجليج إلى الوحدة بل انه المحرك الأساسي (اي النفط ) للحركة لاتخاذ هذا الموقف غير المسؤول. ويسود اعتقاد خاطئ عند الكثيرين بأن حدود الولاياتالجنوبية كانت شمالاً ثم تراجعت جنوباً إبان حقبة الحكم الثنائي ، والصحيح هو أن ما اقتطعه الجنوب من الشمال خلال هذه الحقبة يعادل عشرة أضعاف ما اقتطعه الشمال من الجنوب. وقامت لجنة ترسيم الحدود بين شمال السودان وجنوبه ببحث مكثف ودقيق لكل الوثائق والمستندات والخرائط من داخل السودان وخارجه وأعدت تقارير مفصلة عن وصف الحدود تم رفع بعضها لرئاسة الجمهورية عن المناطق المختلف حولها عددها وماهيتها. ولم تكن الحدود في منطقة هجليج عند دخول المستعمر في وضعها الحالي بل كانت جنوباً عند بحر العرب حتى العام 1930. وصدر في عام 1931 قرار من الحاكم العام بنقل المنطقة التي تضم ديكا رونج وآخرين من ولاية جبال النوبة إلى ولاية أعالي النيل . ونص هذا القرار على تعديل الحدود بناء على هذا النقل وقدم هذا التعديل وصفاً تفصيلياً دقيقا وظهر هذا التعديل في الخرائط التي صدرت بعد هذا القرار بجميع مقاييسها بصورة واضحة لا لبس فيها ولم يحدث بعد هذا التعديل أي تغيير للحدود حتى العام 1956 بل حتى الآن. وفحصت لجنة ترسيم الحدود بين شمال السودان وجنوبه والتي أنشئت في العام 2005 واستمر عملها حتى العام 2011 كل الوثائق والمستندات والخرائط المتعلقة بخط الحدود قبل العام 1956 وتوصلت اللجنة بعد الدراسة المتأنية والشد والجذب بين الأطراف إلى أن هناك أربع مناطق (4) مختلف حولها ليس من بينها هجليج. وقد أعدت اللجنة تقريراً بذلك ووقع عليه جميع أعضائها وتم رفعه لرئاسة الجمهورية التي وافقت على التقرير واعتمدت النقاط الخلافية الأربع (كاكا - المقينص - دبة الفخار - جنوب جودة - حفرة النحاس ) ووجهت اللجنة بالبدء الفوري في عملية ترسيم الحدود على الأرض . ونتيجة لاحتجاج الطرف الجنوبي على التقرير والذي وقعت عليه اللجنة بكامل عضويتها ، ناقشت رئاسة الجمهورية آنذاك بجانب أعضاء اللجنة السياسية من الطرفين التقرير مرة أخرى. وأضاف الطرف الجنوبي بعد التداول منطقة خلافية خامسة هي منطقة الرزيقات 14 ميل جنوب بحر العرب ولم يتطرقوا إلى منطقة هجليج كمنطقة خلافية. ومن ثم صدر توجيّه للجنة الفنية لترسيم الحدود بالبدء فورا في ترسيم الحدود المتفق عليها بعد إضافة النقطة الخامسة .ويتضح من كل هذا أن منطقة هجليج لم تكن مصدر خلاف لا داخل اللجنة الفنية ولا عند رئاسة الجمهورية بل لم تناقش اللجنة الفنية موضوع هجليج البتة في تداولاتها . ولما كان الطرف الجنوبي يعلم تماماً أن منطقة هجليج حسب حدود 1/1/1956 تتبع للشمال فقد قاموا بإضافتها كمنطقة تتبع لدينكا نقوك في تقرير الخبراء. إلا أن محكمة لاهاي رفضت تقرير الخبراء، ورأت أنهم تجاوزوا مهمتهم وهى توضيح المنطقة التي حولت في عام 1905 وليس تحديد الحدود بين القبائل إضافة إلى تجاوز اللوائح الاجرائية لمفوضية تحديد حدود أبيي. وبناء على ذلك حصرت المحكمة القضية المطروحة أمامها في المنطقة المحددة حالياً والمعروفة بأبيي واعتبرت ان الحدود هي حدود 1/1/1956 وتمتد جنوب بحر العرب بحوالي 45 كلم إلي أن يجري الاستفتاء الذي يختار بموجبه مواطنو أبيي الانفصال أو التوصل إلى اتفاق سياسي.وفي حالة عدم حدوث ذلك يظل الوضع كما هو عليه في حدود السودان 1/1/1956 . وتؤكد جميع المستندات والوثائق والخرائط التي صدرت بعد العام 1930 بلا أدنى خلاف تبعية هجليج للشمال ولا توجد حتى وثيقة واحدة أو خريطة واحدة في أي عصر قديما أو حديثا تقول بتبعية المنطقة للجنوب. وتم توصيف خط الحدود بين شمال السودان وجنوبه بالوثائق وبعضه بالخرائط كما أن هناك قسما تم توصيفه بالخرائط والوثائق معا وأن هجليج تعتبر من المناطق الرئيسية التي وصفت بالخرائط والوثائق معا . ومن هذه الوثائق والخرائط خريطة غابة العرب مقياس رسم 1:250.000 للأعوام 1914 والتى تظهر فيها الحدود جنوب هجليج عند بحر العرب وخريطة غابة العرب مقياس رسم 1:250.000 للأعوام 1929 والتي تظهر فيها الحدود جنوب هجليج وتصل بحر العرب . وكذلك خريطة غابة العرب 1931 ، 1936 مقياس رسم 1:250.000 تظهر فيها الحدود الحالية جنوب هجليج حوالي 30 كيلومتر (بعد التعديل الذى تم في العام 1930) وخرائط مختلفة مقاييس الرسم للسودان وكردفان منها خريطة كردفان 1910 الحدود عند بحر العرب وخريطة كردفان 1939 الحدود الحالية . ويستبعد مراقبون العودة الى محكمة لاهاي لحسم الجدل حول تبعية هجليج للشمال او الجنوب ويبرر المراقبون اتجاههم ذلك بقولهم أن لا سبيل للعودة الى محكمة لاهاي فالأمر محسوم وفقاً لقرار المحكمة نفسها والتي قالت كلمتها في قرارها الذي حدد ان هجليج خارج أبيي تماماً . ويرى الخبراء أن انتقال الجدل بين شريكي نيفاشا من أبيي الى هجليج مجرد تراشق يحمل عدم رضا الطرفين بالقرار رغم تأكيدهما بالالتزام به،وادعاء كل طرف بأنه انتصر بقرار المحكمة. عموماً فإن خريطة السودان الصحيحة بعد الانفصال تم تحويلها من هيئة المساحة إلى مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية ، وتم تسليمها لاحقاً للأمم المتحدة، وهجليج جزء منها وكافي كنجي وحفرة النحاس ومناطق أخرى، ولم تكن هجليج يوماً محل اختلاف بين البلدين سواء في اجتماعات لجنة الحدود أو في محكمة لاهاي، و خطوة جوبا الأخيرة محاولة لقلب الحقائق العلمية خاصة أن ممثلي الجنوب في لجنة الحدود وقعوا على مناطق الخلاف الأربع وهجليج ليست من بينها،وهذه الحدود التي تم الاتفاق والتوقيع عليها بين الشمال والجنوب وهي الآن في يد الأممالمتحدة وفي يد الوسيط أمبيكي، وخطوة الجنوب الأخيرة مجادلات سياسية وليست عملية، وهذا يعد تعدياً على القانون الدولي من دولة الجنوب. نقلاً عن صحيفة الرائد 8/5/2012م