في الوقت الذي يوشك فيه الخيار العسكري في إنهاء التمرد بجنوب كردفان، بعد الهزائم المتلاحقة من قبل القوات المسلحة على قوات الحركة الشعبية – قطاع الشمال المدعومة بقوات الجيش الشعبي التابع لدولة جنوب السودان، واقتراب موعد تحرير مدينة "كاودا"، تتسارع مسيرة الحلول السياسية على المستوى الداخلي، بولاية جنوب كردفان. فمنذ اندلاع التمرد بالولاية سارعت غالبية القوى السياسية إلى رفض الخطوة باعتبارها لا تستند على أي مسوغ، لا سياسي أو غير سياسي، لاسيما وأن الانتخابات التي أعقبتها تلك الأحداث قد جرت تحت مراقبة محلية وإقليمية ودولية وشهد لها الجميع بالنزاهة، بجانب أن الذين قادوا التمرد، وعلى رأسهم عبد العزيز الحلو، لم يكلفوا الناس كثير عناء من خلال الكشف عن نواياهم الحقيقية، والتي انحصرت بالأساس في العمل على إسقاط النظام في الخرطوم انطلاقا من جنوب كردفان، عبر مخطط تم ضبطه وإيضاحه من قبل السلطات، ويهدف المخطط إلى احتلال حاضرة الولاية كادوقلي ومدن أخرى أبرزها الدلنح ثم الأبيض قبل التحرك نحو الخرطوم. وأتبعت القوى السياسية رفضها وإدانتها لتلك المخططات بتحريك العديد من المبادرات لاحتواء الأزمة من خلال مخاطبة العقلاء من أولئك النفر. وبالفعل بدأت مؤشرات تلوح مؤخرا بأن المبادرات المتعددة التي قامت بها مختلف الكيانات السياسية والمجتمعية بالولاية منذ اندلاع التمرد في يونيو من العام الماضي في أعقاب تمرد الحركة الشعبية اثر هزيمة زعيمها عبد العزيز الحلو في الانتخابات، تأتي أكلها، فقد كشفت اللجنة السياسية بالمؤتمر الوطني عن مبادرات ولقاءات سياسية داخل وخارج السودان، لإيجاد حلول جذرية لاحتواء الأزمة. وابتدرت اللجنة السياسية بالحزب الحاكم وعدد من القوى السياسية، اتصالات داخلية وخارجية تهدف إلى اصطفاف وطني، يمكن من تجاوز المحنة التي تمر بها جنوب كردفان، وجاء ثمرات تلك الاتصالات مبكرة بإعلان قيادات مؤثرة من الحركة الشعبية انخراطها في العملية السلمية وبناء الوطن وتجنيبه مخاطر محدقة تسعى لتنفيذها بعض القوى المعادية للسودان. ولم تكتف تلك القيادات بإعلان موقفها المؤيد للعملية السلمية ولكنها سارعت عمليا إلى تنظيم صفوفها في كيانات شاركت بفاعلية في حكومة القاعدة العريضة التي تم تشكيلها على مستوى المركز، وكذلك على مستوى الولاية حيث أعلن الوالي أحمد هارون في مارس الماضي، تشكيل حكومته من 11 حزبا سياسيا، وضمت تلك التشكيلة عددا كبيرا حتى من الأحزاب المعارضة. وقال هارون في مؤتمر صحفي حينها، إن الغالبية العظمى من الأحزاب والقوى السياسية وافقت على المشاركة في حكومة الولاية، لافتا إلى أن الأحزاب غير المشاركة تعهدت بالالتزام بوثيقة "برنامج الوطني" كانت قد وقعت عليها الأحزاب والتنظيمات السياسية بالولاية. قطار الحوار والاتصالات مع أبناء جنوب كردفان، وأبناء النوبة على وجه الخصوص، قطع محطات متعددة كانت آخرها العاصمة المصرية، القاهرة، حيث نقلت الأنباء بشريات بحدوث تقدم كبير. وفي السياق، قال عضو اللجنة السياسية، صلاح بريمة للمركز السوداني للخدمات الصحفية أمس الأول، "إن وفد اللجنة في إطار سعيه الدءوب زار عضويته في جمهورية مصر بهدف الوصول لنقاط مشتركة حول الأوضاع السياسية والأمنية بالولاية"، مبيناً أن الزيارة تمثل دوافع هامة ستساهم في إيجاد حلول ناجعة لتلبية هموم وتطلعات إنسان المنطقة، مشيرا إلى لقاءاتهم برؤساء الأحزاب والصحف المصرية ومراكز الدراسات ذات الاهتمام المشترك بشؤون المنطقة في ظل التطورات السياسية في أعقاب ثورات الربيع العربي مؤخراً. وأكد بريمة استمرار لقاءات اللجنة بعضويتها لقطع الطريق أمام ما أسماها مؤامرات حكومة الجنوب والجبهة الثورية مشدداً على ضرورة توحيد الصف والكلمة لأجل استقرار وأمن الولاية. موقف القوى السياسية بجنوب كردفان وجد الإشادة من القيادة السياسية للبلاد، ففي لقائه بممثلي القوى السياسية بجنوب كردفان، في مدينة تلودي الأسبوع الماضي، أشاد رئيس الجمهورية، عمر البشير، بمواقف تلك القوى لأنها تناست خلافاتها السياسية ووحدت صفها للدفاع عن الوطن، مشيرا إلى أن الأحزاب هي مواعين لخدمة الوطن وتنميته. وقال إن جنوب كردفان كانت نموذجاً للتعايش والانصهار والتكامل والتعاضد، لكن القوى التي تتآمر على السودان أرادت ضرب هذا النموذج، لكن مواطني جنوب كردفان أفشلوا هذا المخطط. وأجمعت قوى سياسية بولاية جنوب كردفان، أمس الأول، في ندوة، على ضرورة دعم السلام في الولاية، وشددت على أن الحرب بين الدولتين ستكون وبالاً على أهل المنطقة، لكنهم أكدوا مع ذلك جاهزيتهم لخياري الحرب أو السلام. ونبهت تلك القوى إلى أن الحركة الشعبية – قطاع الشمال، التي تقود التمرد في الولاية تسعى لفرض واقع إنساني مأساوي تمهيداً لدخول منظمات أجنبية للمنطقة، وحذَّر رئيس حزب العدالة الأصل، مكي علي بلايل، من مخطط غربي يسعى إلى سلخ جبال النوبة من سياقها الجغرافي والتاريخي، واتهم بلايل، لدى حديثه في ندوة عقدت بالاثنين، الحركة الشعبية بأنها تسعى لجعل المنطقة تعاني وتعيش أوضاعاً إنسانية حتى تتخذ الأمر ذريعة لإدخال منظمات أجنبية لتنفيذ مخطط غربي يرمي إلى ما سماه سلخ جبال النوبة من امتدادها التاريخي والطبيعي. بينما دعا نائب رئيس المؤتمر الوطني، بالولاية صباحي كمال الدين، في تصريح ل"الشروق"، إلى أهمية دعم السلام، وشدد على أن الحرب ليست في مصلحة سكان جنوب كردفان، مؤكدا أنهم لن يقفوا متفرجين على تحركات الحركة الشعبية التي تسعى لإشعال الحرب في المنطقة. وقال "إن أرادوا سلاماً نحن أهله وإن أرادوا حرباً نحن أهلها". ونادى رئيس لجنة الحكم المحلي بالمجلس التشريعي، قادم بابكر، المتمردين من أبناء جبال النوبة الذين وصفهم بالوقود البشري لإشعال الحرب بالعودة إلى ديارهم والخروج بالولاية من المأزق الذي يمر بها. فيما أكد أحمد العوض من الحزب الاتحادي أن متمردي الحركة الشعبية هم الآن لا حول ولا قوة لهم، ويجب أن ينخرطوا في السلام لأنه الطريق الأقصر للوصول إلى حلول. وفي الأثناء، أكد رئيس المجلس الإسلامي لجبال النوبة، سومي زيدان عطية، أن المخطط اليهودي الصليبي المتدثر بثوب المجتمع الدولي يسعى لإخراج الإسلام من نفوس الناس. مشددا على ضرورة مقابلة ما اعتبره التحدي الكبير لتلك الخطط خاصة فيما يلي مناطق جبال النوبة. ويأتي التقدم في المسار السياسي متزامنا مع تقدم كبير تحرزه القوات المسلحة في مواجهتها لقوات الحركة الشعبية ودولة الجنوب في جنوب كردفان، حيث باتت تتأهب لإعلان تحرير "كاودا" التي تشكل معقل المتمردين حاليا. وقال مساعد رئيس الجمهورية، نائب رئيس المؤتمر الوطني، الدكتور نافع علي نافع، أمس الأول، إن القوات المسلحة اقتربت من تحرير كاودا من متمردي الحركة الشعبية - قطاع الشمال. وأكد نافع في تصريح عقب اجتماع المكتب القيادي بالمؤتمر الوطني، ترأسه الرئيس البشير، أن تحرير كاودا سيتم في القريب العاجل وفقا لتوجّيه القائد الأعلى للقوات المسلحة وتخطيط وزارة الدفاع. وكان رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وجه القوات المسلحة من تلودي التي زارها الأسبوع الماضي، بتحرير معقل التمرد – كاودا، وأعرب عن أمله في أن يصلي الجمعة القادمة في المدينة. وسبق لوالي الولاية أحمد هارون أن وعد بأن الرئيس البشير سيؤدي صلاة الشكر في مدينة كاودا قريباً. ولدى زيارته إلى هجليج عقب تحريرها من قوات دولة جنوب السودان، أطلق الرئيس البشير يد القوات المسلحة لتطهير الأراضي السودانية من قوات الجيش الشعبي الموجود داخل الحدود السودانية، كما أمرها بتنظيف جنوب كردفان من متمردي الحركة الشعبية – قطاع الشمال وقوات الجبهة الثورية. وأكد الرئيس البشير استمرار التعبئة والاستنفار ضد أي محاولات اعتداء على الأرض السودانية حتى يتم تطهيرها من بقايا الجيش الشعبي في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وأي حركات متمردة تدعمها حكومة جنوب السودان. نقلاً عن صحيفة الرائد 9/5/2012م