إتفقت كلٌ من الخرطوموجوبا على قبولهما القرار 2046 وعدم ممانعتهما إستئناف المحادثات الثنائية حول القضايا الخلافية بين البلدين. غير أنهما إختلفتا فى مَن يرعي الوساطة بينهما. ففي الوقت الذى أعلن فيه السودان ترحيبه بالآلية الإفريقية عالية المستوي برئاسة ثامبو أمبيكي، قالت جوبا انها ترحب بوساطة الإيقاد. وقال وكيل الخارجية السودانية السفير رحمة الله عثمان لدي لقائه ممثل الايقاد بالخرطوم – الخميس الماضي – إن بلاده لن تقبل إحالة ملف التفاوض من الآلية الافريقية تحت رعاية الاتحاد الافريقي الى رعاية الايقاد. وما من شك ان هذا الخلاف فى الوسطاء من الممكن أن يتسبّب فى تأخير اسئناف المحادثات التى حثهما عليها مجلس الأمن فى قراره الأخير، وهو ما يبدو أن مجلس الأمن لم يضع له حساباً معيناً فى القرار، ولهذا فإن من الضروري هنا أن نحاول تلمُس منطق كل طرف بشأن الجهة التى سترعي المحادثات. وكيل الخارجية السودانية قال بوضوح لممثل الإيقاد إن بلاده تعلم عدم ترحيب جوبا بالآلية الافريقية ومع ذلك فهي - أى الخرطوم - تصرّ على مواصلة أمبيكي لوساطته. هذا الموقف السوداني يبدو أنه قائم على اعتبارات عدة لا بُد من الوقوف عندها. أولاً: تسعي الخرطوم لأن تبدأ المفاوضات المرتقبة من حيث انتهت المفاوضات السابقة التى جرت عبر عدة جولات فى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا، وقد قال وكيل الخارجية السودانية ذلك ضمن محادثاته مع ممثل الايقاد بالخرطوم، وتمثل هذه النقطة فى الواقع أهمية قصوي لطرفيّ التفاوض والوسطاء ولقرار مجلس الأمن نفسه. فمن جهة فإن استئناف المحادثات من حيث إنتهت المحادثات السابقة يوفر الجهد والوقت فهناك مبادئ عامة، ومواقف محددة تم التوصل إليها فى المحادثات السابقة لا خلاف حولها ولم يستجد شيء يغيِّرها أو يغيّر موقف الأطراف منها، لابًد من ان توضع كأساس للبناءعليه؛ واذا ما بدأت المحادثات من الصفر فإن من المحتم أن يتطلب ذلك وقتاً أطول وربما تباعداً فى المواقف قد يقود الى إنهيار المفاوضات برمتها ودخول الكل فى مأزق. ومن جهة ثانية فإن استئناف المحادثات من حيث انتهت يضع حداً للمستحدثات السياسية أحادية الجانب التى استحدثتها الحكومة الجنوبية على خريطة دولة الجنوب بضم مناطق لم تكن فى السابق ضمن خارطتها السياسية مثل هجليج وأبيي. من الصعب إن لم يكن من المستحيل استئناف محادثات وفى الحائط الخلفي هذه الخلفية المستحدثة التى لا تمت الى الواقع بصلة، ففي المحادثات السابقة لم تكن هجليج موضعاً للتنازع، كما أن أبيي لم تكن ضمن حدود دولة الجنوب. ثانياً: الايقاد تُعتبر أقل مستوي من الآلية الافريقية وبالطبع لا يمكن أن يحدث تراجع بهذه الحدة فى مستوي رعاية المحادثات، فالآلية الافريقية لديها خبرة واسعة ولديها آليات وتابعت منذ سنوات العديد من الملفات الخاصة بالجانبين، فى الوقت الذى يعلم الكثيرون أن الايقاد (كهيئة حكومية معنية بالتنمية) تفتقر كل الإفتقار للخبرة السياسية والقدرة، بل لا نغالي إن قلنا ان الايقاد ليست لها تاريخ سياسي جيّد فى صدد المحادثات الثائية من قبيل هذه المحادثات. ثالثاُ: ليس خافياً على أحد أن بعض دول الإيقاد ضالعة بصورة أو بأخري فى النزاع السوداني/الجنوبي، بعضها لديه (مصلحة خاصة) بخصوص النزاع وبعضها لديه عداء مُعلن ومستحكم مع السودان، وهذه كلها أمور لا تساعد على حسن رعاية المحادثات ولا تقود الى حلول بحال من الاحوال. رابعاً: على العكس تماماً من كل ذلك فإن جوبا لم تفصح ولم توضح بمنطق سياسي مبين لماذا لا ترحب بوساطة الآلية الافريقية؛ فإذا كان للخرطوم عشرات المآخذ على الايقاد، كما رأينا، فإن جوبا ليس لديها سوي منطق أعوج بشأن الآلية الافريقية يدور حول ما تعتقد أن أمبيكي منحاز الى الخرطوم! والاتهام من هذا القبيل غير مقبول لأن الرجل ليس سوي مجرد وسيط وليس لديه ما يُمليه على الأطراف؛ كما ليس لديه صلاحيات إجبار، كما أن جوبا بحكم علاقتها المعروفة ببعض القوى الدولية المنحازة لها مثل واشنطن تستطيع أن تحد مِن إنحياز أمبيكي المزعوم.