أخطر تقرير يصدر قبل فترة وجيزة من تاريخ إصدار قرار مجلس الأمن الأخير في 2/5/2012م القرار رقم 2046 المتحامل كثيراً علي السودان والذي بدأ التخطيط والإعداد له في نهاية مارس2012 مباشرة بعد التقرير الذي صدر في أوائلمارس 2012 من البنك الدولي والذي أري أن أقوم بترجمته بدقة ليقف كل ذي عقل علي الأسباب الحقيقية والعجلة في إصدار قرار مجلس الأمن الأخير وارتباطه الوثيق بتقرير البنك الدولي الخطير في مارس 2012 يقول التقرير: أخذت دولة جنوب السودان معها 75% من احتياطي البترول في دولة السودان الموحدة ولكن الدولة الجديدة المعلقة بدون موانئ لا يمكنها تصدير بترولها إلا عبر أنابيب الشمال.بعد فشل مباحثات رسوم عبور البترول عبر الشمال قررت حكومة جنوب السودان وقف إنتاج البترول بحجة أن السودان بدأ في أخذ نصيبه من العبور عينياً بحجز كميات منه لصالحه. مسؤولو حكومة جنوب السودان يصرون علي أنه بالرغم من أن صادرات البترول تشكل98% من ميزانية الجنوب إلا أنهم قادرون علي البقاء حتى يجدوا بديلاً غير أنابيب الشمال. وأن شعبهم الذي عاش في ظروف قاسية طوال سنوات الحرب مع الشمال فإنه – أي شعب الجنوب – قادر علي العيش والبقاء لسنوات أخري من المعاناة. ولكن في تنوير مختصر من أحد كبار موظفي البنك الدولي في 1/3/2012 حصلت عليه صحيفة السودان تربيون تم رسم صورة قاتمة بما ينتظر الجنوب اقتصاده في الشهور القادمة يقول المستر مارسيلو جيوقالي مدير برنامج السياسة الاقتصادية وخفض الفقر في أفريقيا التابع للبنك الدولي قال في مخاطبته لمندوبي الدول الداعمة والمانحة لجنوب السودان ومن بينهما أمريكا- انجلترا –الاتحاد الأوربي –النرويج وصندوق النقد الدولي وآخرون قال لهم: أن البنك الدولي وعبر تاريخه لم ير وضعاً متخماً بالمأساوية مثل ما ستواجهه دولة جنوب السودان الوليدة. وقد قدم نفس التقرير لمسئولين كبار في دولة الجنوب يوم 29/2/2012 أي يوم واحد من تاريخ تقديمه لاجتماع المانحين لدولة الجنوب. قال مستر جيوقالي في تقريره للمانحين أن لا الرئيس سلفاكير ولا كبار مسئولي حكومة الجنوب واعون ومدركون لعواقب وقف إنتاج البترول قائلاً إن القرار كان مفزعاً وأن من اتخذوا القرار لم يحسبوا ولم يفهموا خطورة عواقب القرار مضيفاً والحديث لمستر جيوقالي أن دولة جنوب السودان بقرارها هذا تصبح دولة فريدة غير مسبوقة علي المستوي العالمي لأن الدول التي في أزمات تواجهه الانهيار بسبب توقف النمو وليس بانخفاض الناتج القومي. إذ أنه ونتيجة للانخفاض الحاد في تدفق العملة الصعبة ومتى ما يكتشف مواطنو الجنوب أن سعر عملتهم بدأ في التهور السريع سوف تحدث هجرة مفاجئة للدولار المتوفر لدي بعض الأسر الجنوبية إلي خارج الدولة. يقول مستر جيوقالي إنه نسبة لأن معظم مواطني الجنوب أميون من الناحية الاقتصادية فإن هذا الأثر لم يبدأ بعد مضيفاً إلا أنه فور بداية هجرة الدولار فإن عملة الجنوب سوف تنهار بسرعة مذهلة يقول مستر جيوقالي في تقريره التحليلي عن احتياطي الجنوب من العملة الصعبة أنه وبكل وسائل التقشف وإجراءات الصرف الصارمة التي أعلنتها حكومة الجنوب فإن هذا الاحتياطي سوف يزول تماماً في يوليو القادم 2013وعندها سوف يصير انهيار دولة الجنوب حتمياً. وقال حتى لو استطاعت حكومة الجنوب في خفض الصرف الشهري بنسبة 77% فإن الاحتياطي سوف يكفي فقط حتى ديسمبر 2013 يقول جيوقالي إن الأثر الاجتماعي لقفل آبار البترول لا يقل خطورة عن الاقتصادي إذ أن المواطنين في الجنوب تحت خط الفقر 51% سيرتفع إلي 83% في 2013 وبلغة الأرقام يقول إن 3'6مليون آخرين جدداً سينحدرون تحت خط الفقر في 2013. ويقول إن نسبة وفيات الأطفال تحت سن الخامسة سيرتفع إلي 20% في 2013 من 10% في 2012 ونسبة دخول التلاميذ بالمدارس سينخفض من 50% في 2012 إلي 20% فقط في 2013 ويرفض جيوقالي في تقريره حجة المسئولين الجنوبيين من أن الغالبية من مواطني الجنوب محصنون ضد هذا الأثر الاقتصادي إذ أنهم خارج منظومة الاقتصاد النقدي إذ يقول إنه حتى أفقر الأسر تتفاعل مع الاقتصاد النقدي أثناء فترة الثلاثة إلي خمسة أشهر والتي ستكون فيها فجوة شح وندرة ومجاعة بسبب تدهور التجارة خاصة الثروة الحيوانية المستوردة علي حساب توفير متطلبات الزراعة والثروة الحيوانية والمؤدية إلي خلق خلخلة في الأمن الغذائي . يقول جيوقالي إن الخيارات أمام دولة الجنوب محدودة جداً متمثلة في إجراءات تقشف صارمة وبرامج طارئة للسلامة الاجتماعية. ويضيف أنه حتى وإن ضاعفت دولة الجنوب الصادرات غير البترولية ثلاث مرات فإن ذلك لا أثر له علي الإطلاق. قال جيوقالي ممكن أن يساعد البنك الدولي في الإسراع في إصلاحات الخدمة المدنية في دولة الجنوب ولكنه حذر بشدة من أن الانهيار الاقتصادي قد يؤدي إلي تمزق اجتماعي وسياسي وتشظ وبلبلة وعدم استقرار في دولة الجنوب. رد فعل المجموعة السداسية المانحة علي هذا القرار تمثل تحذير دولة جنوب السودان بأنهم غير مستعدين لمقابلة الفجوة الاقتصادية الناتجة عن توقف إنتاج البترول وأنهم لن يدعموا البرامج المقدمة من جوبا قائلين تحديداً: نحن نتوقع إعادة النظر في برامجنا ونركز الدعم علي النشاط والمعونات المنقذة للحياة فقط ولا نستطيع أن نقدم أي دعم في الأنشطة الإستراتيجية الأخرى التي اتفق عليها لذلك علي حكومة جنوب السودان الإسراع في حل المشكلة الحالية مع الخرطوم في ما يتعلق بالبترول حتى يتمكن الجنوب من بناء مؤسساته وقدراته انتهي التقرير. بعد هذا التقرير والتسلسل الدرامي في الأحداث أصدر مجلس الأمن قراره الخطير في 2/5/2012 بعد تحضير للقرار بدأ فور مناقشة التقرير الخطير في 1/3/2012من مستر جيوقالي مدير برنامج السياسة الاقتصادية وخفض الفقر في أفريقيا التابع للبنك الدولي إلي الدول المناحة للجنوب. الآن يمكن أن نضع النقاط في حروف القرار2046 وتكتمل الصورة وينتهي الاجتهاد، لذلك يجب أن نذهب إلي المفاوضات بقلب مفتوح ورؤى جديدة متوازنة بعد أن ثبت من هذا القرار الخطير أننا أصحاب اليد العليا ونحن الأقوى ويجب في نفس الوقت ألا تأخذنا العزة بالإثم ولا الغرور لأن لكل شئ حدوداً محسوبة وهذا القرار الخطير له ما بعده . أي معارضة له أو مواجهة هي بمثابة انتحار أحمق لا يشبه أي رجل دولة بمعني كلمة رجل دولة العريض وقد يكون ترسيب هذا التقرير أحد حبال الشراك المنصوبة لدفعنا إلي الحماقة المؤدية إلي الهاوية بإظهارنا في موضع القوة ودولة الجنوب في موقف الضعف. علينا أن نتعامل بذكاء ومكر ودهاء وأهم من ذلك بنبل ونتذكر دوماً أننا كنا شعباً واحداً في دولة واحدة يمكن بكل تقدير سليم للموقف الخطير الحالي أن نكون شعباً واحداً في دولة واحدة في دولتين نعيش في إخاء ورخاء والي المتشددين الذين يرون أن في التنازل سقوطاً أذكرهم بالحكمة اليابانية التي تقول (ليس كل سقوط نهاية فسقوط المطر أجمل بداية). نقلا عن صحيفة أخبار اليوم السودانية 13/5/2012م .