حينما ختم علي كرتي وزير الخارجية مرافعته أمام البرلمان أمس اعتذر للنواب عن (تقليبه للمواجع) علي حد تعبيره ذلك انه رد كرة الانتقاد لوزارته يفضح كثير من الإخفاقات التي تواجه العمل الخارجي والمجهودات التي يبذلها للمدافعة وتحدث عن ايجابيات قبول قرار مجلس الأمن وعن تأثر الخارجية بضعف التمويل وغيرها من النقاط، ومرافعة كرتي هذه أعقبت مداولات النواب وبعضهم صوب سهام نقده للخارجية ولقرار مجلس الأمن وأجازت جلسة الأمس قرار لجنة الشؤون الخارجية بالإجماع وبالملاحظات التي حواها بشأن قبول مجلس الأمن الذي تلاه محمد الحسن الأمين بمنطق الدبلوماسية والتحوط لمعركة قادمة قانونية وسياسية. وأكد مولانا احمد إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان أن السودان دائماً ما يبدي حسن النية في مقابل سوء النية من قبل الحركة الشعبية وقال أن حكومة الجنوب الآن تحاول خلق أزمة جديدة بدخول هجليج ولفت الي أن تعمد تأزيم المواقف واضح وتسنده قوي من خلف الجنوب تسعي لاستمرار الصراع وأكد أن قبول القرار سيكشف عن مواقف الجنوب هذه وشدد علي أن السودان لن يجامل ولن يرضخ لأية ضغوط ولن يتنازل عن قيمه واتفق علي ضرورة دعم وزارة الخارجية لفتح مسارات التواصل مع الخارج. كرتي أكد أن العلاقات مع إفريقيا لا تزال جيدة لكنه أشار لتأثر وسط وجنوب إفريقيا بترويج الحركة الشعبية لمزاعم ضد السودان وقال إن الحركة فتحت سفارات في دول انسحب منها السودان في التسعينات وأضحت تمثله وتروج لادعاءات استعمار الشمال للجنوب وادعاءات عرقية وأضاف أن محاولات السودان للترميم اصطدمت بتولي الحركة وزارة الخارجية والتحركات العدائية التي قامت بها وشدد كرتي علي عدم تراجع وزارته غير أنها في أحلك لحظات الحاجة الي الترويج لموقف السودان. وكشف كرتي عن سحب الوزارة(103) دبلوماسيين وأكثر من (500) سفير دبلوماسي إضافة الي (11) سفيراً عقب الانفصال ينتمون للحركة وأكد تسميم الحركة للأجواء ضد السودان وانتقد ضعف تمويل الوزارة مقارنة بالعمل الخارجي ووصفه بأنه (صفر كبير) ما تسبب في عدم وجود تمثيل دبلوماسي في بعض الدول الإسلامية المهمة وأضاف أنه يتعرض لمواقف بسبب عدم دفع إيجار مقار السفارات وتابع: حينما كنت في اجتماع مع وزير الخارجية الروسي كان أمامه تقرير عن عدم دفع السودان لإيجار مقار السفارة لمدة عام رغم أن دولاً صغيرة تلتزم بذلك. وحذر كرتي من أخطاء التصريحات وقال إن تصريحات علي شاكلة (إلا بالعصا) تفسر بالعودة للتاريخ العربي القديم وكذلك وصف الحركة ب(الحشرة) يفسر حسب رغبتهم رغم انه لا يتعدي الوصف كرمز وقال إن أفريقيا تعاني من عقدة استعباد ودونية وزاد بأن وزارته ركزت علي المدافعة السياسية والتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية ولفت لأهمية الدور الاقتصادي واشر لوجود دول تسعي لإشغال السودان في القضايا السياسية وقال أن البعثات الدبلوماسية تقوم بدور في الترويج الاقتصادي وجلب التقانات رغم المعاناة والعقبات الإدارية التي تواجهها. وأكد كرتي أن التعديلات التي أدخلت علي قرار مجلس الأمن (2046) طفيفة لكنها مؤثرة بالتأكيد علي الإدانة والكف عن دعم المعارضة ونوه الي اتفاق القامة جسم محايد لتقدير خسائر هجليج ولجنة تقصي حقائق لإبلاغ مجلس الأمن بحجم الخسائر وأشار الي أن القبول بالقرار يكشف مماطلة الجنوب لوجود مراقبة إقليمية ودولية وأبان أن العمل الخارجي ودور البعثات يحتاج للدعم المالي، من جهته أكد د. غازي صلاح الدين رئيس كتلة نواب المؤتمر الوطني مستشار رئيس الجمهورية ان القرار ماكر ومنحاز ومتهجم علي حقوق السودان بصورة سافرة لكن ليس هناك خلافاً مع الخارجية في قبوله وأشار لاختلافه عن القرار (1706). ونوه الي أنه لا يقبل المجادلة لارتباطه بدولة أخري ستلتزم به وستجني رصيداً في التعامل معه وشدد بأن المهم الآن هو كيفية التعامل معه ونوه لعدم وجود مبرر للتعامل مع ما يسمي بقطاع الشمال وقال انه جزء أصيل من الحركة الشعبية وأكد غازي انه لا مبرر أو اتفاق سابق يلزم الدولة للاعتراف بالقطاع وطالب بالتمسك بهذه الهوامش والتركيز علي القرار ولفت الي انه يحوي مساحات تسمح بالتقول علي الحقوق الوطنية، واقترح غازي إنشاء لجنة رئاسية لصياغة إستراتيجية كاملة للتعامل مع الجنوب لجهة أن المهمة تتعدي الخارجية لان ضخامة المهمة وعظم الخطر تقتضي ذلك، ولفت الي دور الخارجية المركزي في حماية الأمن القومي الذي تتقاسمه مع الأجهزة العسكرية والأمنية ما يستوجب معاملة الخارجية علي أنها من وزارات الأمن القومي وأشار للاستقطاعات التي تعرضت لها بسبب ظروف البلاد المالية وأكد أن البرلمان سيدعمها في أية ميزانية قادمة. ونبه غازي الخارجية للاختبار غير المسبوق الذي تعرض له طبقاً لهذا القرار واتفق مع التوصيات تقرير لجنة الشؤون الخارجية للالتزام بالهوامش المحددة للتفاوض وأكد أهمية بدء التفاوض من حيث انتهت نيفاشا وقال أن بديل القرار تطبيق الاتفاقية والتعامل مع قضايا النيل الأزرق وجنوب كردفان وأكد أن القضية مبدئية جوهرية وليست للمقايضة ولا يمكن التنازل عنها قيد أنملة. من ناحيتها أدارت د. عطيات مصطفي عضو لجنة العلاقات الخارجية دفة الحديث ناحية إظهار الموقف الغاضب من قرار مجلس الأمن وأكدت خطورته وانه لابد أن يعي المجتمع مدي خطورته وذكرت ان فيه ثغرات لابد أن تسد ودعت لضرورة الإلمام بدواعي خروج قرار مجلس السلم والأمن الإفريقي الذي أنبني عليه قرار مجلس الأمن هكذا دون أي اعتراض وقالت انه أمر يحتاج لتحقيق، ونبهت لخطورة إدراج القرار ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في البند السابع الأمر الذي استعصي علي سوزان رايس في السابق،واتفق نواب كذلك علي خطورة القرار وتحامله علي السودان ورسمه مسارات للتفاوض مع الجنوب وتبنيه مباشرة وجهة نظر الحركة. وأكد نواب أن القرار يحوي بنوداً مجحفة وثغرات لكن لا مناص من الموافقة عليه وطالبت المداولات بتسليط الضوء خلال التفاوض علي حقيقة أن السودان كان هو المعتدي عليه وان يأتي الجهد الدبلوماسي عملياً لإقناع المنظمات الدولية بها وعكس (سقطه) رئيس دولة الجنوب بإعلانه علي الملا احتلاله هجليج وفضح الجنوب في دعمه للحركات المسلحة واعتبروا ان الحركة تصر علي مسمي (تحرير السودان) وطالبوا بوضع إستراتيجية سرية للتعامل مع الجنوب. الكوادر الدبلوماسية السابقة بوزارة الخارجية كانت محل حديث أمس لجهة الحاجة لخبراتها وعلاقاتها وهو ما أكد عليه كرتي نفسه إلا أنه اتبع ذلك بالمطلوبات المالية لذلك وتحدث النواب عن تمديد الفترات لسفراء وتقليصها لآخرين حسب العطاء والاستفادة من عضوية السودان في الاتحادات والمنظمات الخارجية كاتحاد المصارف والتعجيل بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية علي ان يكون للخارجية جهاز يتابع تلك العضوية. المداولات أيضاً سخرت من محاولة الجنوب إدراج هجليج في التفاوض ومحاولة التفاوض مع قطاع الشمال وانتقد نواب الخطاب السياسي غير المنضبط الذي يشكل حرجاً دبلوماسياً للخارجية وشددوا علي ضرورة تفعيل العمل مع القارة الإفريقية ونوهوا لمواقفها السابقة الداعمة للسودان كالجنائية، ورأي نواب ان انقلاب موقف مجلس الأمن من الإدانة الي الإشادة بالانسحاب ينم عن مسارعة جوبا في الترويج الإعلامي علي طريقة (ضربني بكا وسبقني اشتكي) إلا أن الإبقاء علي الإدانة يعتبر بحسب كرتي احد التعديلات التي أدخلت علي القرار. بروفيسور الحبر يوسف نور الدائم والشيخ دفع الله حسب الرسول أصلاً لموقف الخارجية حيث قال الحبر ان (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) تنسحب علي الموقف الدبلوماسي والقرارات الصائبة والسليمة فيما قال الشيخ دفع الله ان القرار بالفعل فيه ضرر لكن رفضه ليس من الحكمة وأضاف ان الذين يتحدثون عن (الانبطاح) لابد أن يعملوا أن وزير الخارجية نفسه رجل بدا حياته بالدفاع الشعبي والجهاد ولا يمكن أن (ينبطح) وان كرتي الآن اثر الرأي علي الشجاعة ولم يشأ إدخال البلاد في مواجهة مع العالم وهذه (غاية الحكمة) وأكد ان في التفاصيل متسعاً لانتزاع الحقوق. العضو احمد حسن كمبال أكد أن الخارجية الان تحتاج الي أراء علمية تخوض بها التفاوض وقال أن حديث نواب البرلمان دعم عاطفي ولفت الي أن المسألة الآن سياسية قانونية تتطلب القدرة علي الإقناع ومعلومات وتقارير علي طاولة التفاوض، وذكر كمبال الوزير بحديثه عن ضعف الجانب الإعلامي وان الجنوب هو الاقوي وقال لكرتي: أن هذا حديث محبط وأنت المسؤول عنه ذلك ان السفارات لا تملك مقدرات لغوية واستدل بوجود الحركة في القنوات الفضائية وطالب بالتركيز علي الإعلام لان مثل الحديث الذي يدور الآن (هناك أناس داخل السودان لا يسمعون به ناهيك عن المجتمع الدولي)، وانتقد كمبال أحاديث مثل أن الجنوب به وجود إسرائيلي وعن ضعف قدراته وقال: هذا أمر لا يعنينا وإسرائيل موجودة في كل الدول المجاورة. وانتقدت سامية احمد محمد الأداء الخارجي ووصفته بالخفوت وقالت ان المؤسسات في الخارج تحتاج لإعادة نظر وترتيب للأولويات وأشارت لوجود كثير من التجاوزات في قرار مجلس الأمن، تقرير محمد الحسن الأمين ريس لجنة العلاقات الخارجية وهو رجل قانوني وجد الإشادة من مداولات البرلمان ووزير الخارجية وعلق عليه بروفيسور الحبر يوسف نور الدائم الذي كثيراً ما يصوب لغوياً بيانات اللجان يقوله: (الأمين استفاد من ثقافته القانونية في ضبط الألفاظ)، ودفع التقرير اتهامات وردت من أحد الأعضاء للبعثات الدبلوماسية السودانية ونعتتها بأنهم (مجرد موظفين). نقلا عن صحيفة الرأي العام15/5/2012