يعلم قادة حكومة جنوب السودان علم اليقين بأسباب تفجر الصراعات القبلية في اقليمهم المشتعل الذي لم يشهد دماءاً سالت كما الأنهار كهذه حتى في أحلك أيام الحرب ظلمة طوال عقود خلت. فالصراع القبلي ربما كان أمراً معتاداً في الجنوب،اذ أنه وحتى قبل نشوب أول تمرد في الجنوب قبيل نيل السودان لاستقلاله في الع1955ام، فإن الصراع القبلي حاضر وكان عنوانه الرئيسي وقتها وربما الى وقت قريب هو سيطرة قبيلة الدينكا على مقاليد الأمور، وتهميش بقية القبائل سواء في السلطة او الثروة، وبوسع أي مراقب متابع للتمرد في الاقليم أن يلحظ أن قيادة التمرد ظل يتقدمها دائماً المنحدرين من قبائل الدينكا، رأينا ذلك في أنيانيا (1) وأنيانيا (2) حيث كان الفريق جوزيف لاقو هو المتقدم في قيادة التمرد الذي تم احتواؤه في عهد الرئيس نميري ع1972ام بأديس أبابا، ثم جاء التمرد الثاني بقيادة العقيد الراحل د. جون قرنق ورفقائه كاربينو كوانين ووليم نون وسلفاكير ميارديت في الع1983ام والذي استمر حتى تم تكليله باتفاق سلام نيفاشا 2005. ويلاحظ المرء، كيف أن هنالك تذمراً مكتوماً، وفي بعض الأحيان يتفجر جراء سيطرة الدينكا الشاملة على الأمور، ولعل هذا ما جعل الأمر يبدو أكثر وضوحاً حين انفردت الحركة الشعبية بحكم الجنوب، فقد ظهرت على الفور إشكالات الخلافات القبلية، بسبب السلطة، وبسبب النفط، فالعميد تعبان دينق والي الوحدة ظل يصر على البقاء والياً لولاية ما من أحد يريده فيها، لا حركته التي ينتمي اليها ولا القبائل الأخرى، بل ولا حتى قبيلة النوير التي ينتمي اليها، وهو بهذا الاصرار يرسخ فرضية ضرورة سيطرة النوير على النفط باعتبار أن ولاية الوحدة ولاية نفطية من الدرجة الأولى، غير أن دينق نفسه ليس على اتفاق مع بقية قادة الحركة المنحدرين من إثنية النوير فهو الآن يخوض صراعاً شرساً مع زوجة الدكتور رياك مشار وزير الدولة بالطاقة (إنجيلا) التي تصر على منازلته في الدائرة التي تم ترشيحه فيها واسقاطه وهما الاثنان ينتميان الى قبيلة النوير وغير بعيد عن ذلك الصراع المعروف بين الفريق فاولينو ماتيب والعميد تعبان دينق حتى سقط جراؤه ضحايا في مدينة بانتيو قبل أشهر، بل ان سؤالاً كبيراً يثور حول السبب الذي يمنع الفريق فاولينو ماتيب من تولي قيادة الجيش الشعبي في الوقت الذي يتزعم فيه الفريق كير قيادة الحركة وقيادة حكومة الجنوب وقيادة الجيش الشعبي؟ ولماذا لا يمنح الفريق فاولينو منصب القائد العام طالما أن الفريق كير – بحسب د. لوكا بيونق وزير رئاسة حكومة الجنوب – قد تقاعد رسمياً منذ الع2005ام ولم يعد ضابطاً عاملاً في الجيش الشعبي؟ وهكذا فإن الصراع القبلي في الجنوب السوداني هو صراع قائم على طبيعة التركيبة القبلية وهو قديم وربما كان الأمر الوحيد الجديد فيه هو أن الحركة الشعبية سمحت بادخال سلاح للجيش الشعبي لم يكن موجوداً من قبل وقد تصرف العديد من قادة الجيش الشعبي وافراده في هذا السلاح، بيعاً وتوزيعاً بحيث انتشر وسط القبائل وصار هو وسيلتهم الوحيدة لحماية أنفسهم وتقوية عضلاتهم حتى لا يتعرضوا للهلاك. كيف اذن يصدق الجيش وتصدق حكومة الجنوب تصريحات رايس بشأن تسليح الحكومة المركزية للقبائل الجنوبية؟ ان الحركة الشعبية ان لم تكن تعلم بالحقيقة فقطعاً هذه مصيبة وان كانت تعلم وصدقت رايس فالمصيبة أعظم!