لم تكن الحكومة السودانية في حاجة علي الاطلاق (لتبرئة نفسها) من تهمه (جزافية), ألصقتها بها مندوبة واشنطن بمجلس الأمن سوزان رايس تقول فيها ان الخرطوم تدعم بالسلاح الصراع القبلي المتفجر في جنوب السودان. فالمندوبة الأمريكية- بكل المقاييس والحسابات- لم تكن جادة, ولا كانت تهدف من وراء اتهامها هذا الي هدف حقيقي غير أن الخارجية السودانية وفيما يبدو في سباق روتيني متعارف عليه في العلاقات الدولية, نفت الاتهام الأمريكي. ونحن هنا لسنا بصدد نفي الاتهام علي طريقة الدفاع عن الحكومة السودانية فهذا شأن خاص بالحكومة السودانية, وكما ذكرنا فان رايس نفسها تعلم في قرارة نفسها أن الاتهام (جزافي) ولا ينهض علي أساس. ولكننا بصدد محاولة فهم هذا الاتهام في هذا الظرف بالذات, اذ أنه ومن البديهي أن الحكومة المركزية في مسيس الحاجة الي استتباب الامن في كافة ربوع السودان فان لم يكن من أجل الاستقرار وحده فعلي الأقل من أجل اقامة انتخابات لا تشوبها أية شائبة اذ أن الحكومة السودانية بكل المقاييس- هي الأحرص بل والأشد حرصاً علي اقامة الانتخابات العامة وقد رأينا كيف ظلت ترفض ولا تزال ترفض تأجيلها- لهذا السبب أو ذاك- كما رأينا كيف بذلت الغالي والنفيس لانجاحها- وما شهادة الأممالمتحدة قبل أيام بنجاح عملية التسجيل للانتخابات والرقم الكبير (16,5) مليون ناخب الذي سجلته الا دليل علي أن كافة المنظمات الدولية بما في ذلك الأممالمتحدة تراقب بشدة مسيرة الانتخابات وتدرك مدي جدية الحكومة لانجاحها ومن الطبيعي ازاء وضع كهذا أن ينصرف حلم وذهن الحكومة السودانية باتجاه الاستقرار وهو ما يجعل من مساهمتها (بالسلاح) كما تدعي رايس في تأجيج صراع قبلي في الجنوب ضرب من المستحيل. فاذا دعمت الحكومة المركزية العنف في الجنوب فكيف اذن ستقوم الانتخابات التي تريدها, بل وكيف تحول دون انتقال هذا العنف واستشرائه في أنحاء متفرقة خارج الجنوب في ظل تمدد الوجودالقبليالجنوبي في ولايات السودان المختلفة, فأي فائدة ستجنيها الحكومة من العودة لمربع الحرب وهي قريبة من صناديق الاقتراع التي يتوفر لها فيها حظ معقول لابد أن تحرص عليه وتعض عليه بالنواجز؟ من جهة ثانية فان حكومة الجنوب- المدعومة امريكيا, عدة وعتاداً وتسليحاً- كيف لها وبكل ما تملك من جيش يفوق المائة ألف أن تفشل في احتواء صراع كهذا, هل يمكن لمثل رايس العليمه بدقائق الشأن الجنوبي أن (تحط) من قدر حكومة الجنوب ومن قدرة جيشها وقواتها في القيام بواجباتهم الامنية لهذه الدرجة؟ لقد انساق الجيش الشعبي الي اتهام رايس- دون تبصر وتناسي أنه هو نفسه جزء أساسي من الصراع حيث يبيع جنوده السلاح للقبائل بحفنة جنيهات ويتم نزع سلاح قبائل وترك قبائل اخري, أو لا تدري رايس بهذه الحقائق؟ هل من المعقول أن تغيب عنها طبيعة تركيبة حكومة الجنوب والجيش الشعبي والتداخل الاثني في الجنوب السوداني؟ ان رايس دون شك تسعي – مبكراً- لايجاد مبررات مسبقة لاخفاق الحركة الشعبية في احراز نجاحات في الانتخابات العامة ملقية باللوم علي الشمال وايجاد مبررات اضافية لفصل الجنوب وقد كان من السهل عليها أن تعمل هي وادارتها في صمت لفصل الاقليم ولم تكن في حاجة الي توجيه اتهامات مفارقه لأي منطق كهذه!