تعود السودان لحوالي ثلاثة عقود خلت على مواقف وسياسات أمريكية غالبها ذا طابع معادي، بصرف النظر عن طبيعة نظام الحكم القائم ويمكن القول انه وعلى وجه الخصوص الحقبة التي امتدت من يونيو 1989 وحتى الآن شهدت ذروة العداء بين البلدين كما شهدت أكثر القرارات العقابية أحادية الجانب من واشنطن، وقرارات مجلس الأمن التي وقفت خلفها واشنطن لتصدر ضد السودان. لهذا فإن الموقف الأخير في الاسبوع الماضي لمندوبة الولاياتالمتحدة (سوزان رايس) في مجلس الامن لم يأت بجديد، وان حوى عناصر لموقف لا يخلو من غرابة، فالمندوبة الأمريكية ممعنة في عدائها للسودان منذ سنوات، وتحسب ضمن مجموعة داخل إدارة الرئيس أوباما تسعى لتصعيد المواجهة مع السودان لأقصى حد، وهي التي اسهمت مع آخرين في عرقلة البداية الجيدة لعلاقات البلدين عبر موفدها الخاص سكوت غرايشن والذي جرى اغلاق الصفحات البيضاء من ملفه حتى لا تصل الأمور الى حد اعادة تطبيع علاقات البلدين. هذا كله مشاهد ومفهوم وليس فيه جديد خاصة اذا علمنا أن رايس وبعض مسؤولي ادارة أوباما واقعين تحت تأثير عناصر صهيونية وأخرى تتخذ من جمعيات أنقذوا دارفور جسراً لها للوصول الى مصالحها وأهدافها. غير أن الغريب كما قلنا بشأن موقف رايس الأخير في مجلس الأمن حين بدت عصبية المزاج ومنفعلة وهي تحث مجلس الأمن على فعل شئ تجاه السودان جراء ما قالت انه يواصل توريد السلاح الى دارفور!! ويقوم بعمليات قصف جوي وتحليق طائرات في الاقليم، الغريب هنا أن رايس كانت تطلق أقوالاً على عواهنها لا هي معقولة ولا هي ممكنة ولا تصلح حتى للجدال. لأن العقل يرفض تماماً دون أدنى شك أن تكون الحكومة السودانية منخرطة في عمليات سلام في الدوحة، وتحضر لانتخابات تبدو في غاية الحرص على انجاحها، وسبق أن جاءتها شهادة مكتوبة بمداد من ذهب من البعثة المشتركة واليوناميد بأن الاقليم مستقر أمنياً وأن الصراع قد انتهى، من المستحيل أن يكون هذا الواقع مدخلاً للحكومة السودانية لتخريبه، فهي ان خربته انما تلحق ضرراً بنفسها وموقفها وهذا امر مستحيل. ولعل رايس تعلم علم اليقين من هو الطرف الذي يعمل على تغذية دارفور بالسلاح، ودونها أن أرادت تقرير سابق للأمم المتحدة كتب عليه (سري للغاية) تحدث باسهاب وتفاصيل عن كميات السلاح الهائلة التي أدخلتها الى اسرائيل الى افريقيا في رواندا وليبريا والكنغو ودارفور، ودونها مهاطب الطائرات السرية التي كانت تجلب السلاح من فرنسا وأوروبا للحركات الدارفورية المسلحة. ان المرء حقاً ليحار حيال مسؤولة بهذا المستوى في المنظمة الدولية تتلاعب بالعقول الى هذا الحد، هذا بخلاف سوء التقدير نفسه حيث يستعد السودان لاجراء عملية إنتخابية وسلمية من الضروري دعمها وتشجيها ولهذا فإن السؤال سيظل قائماً وعلى رايس الاجابة عليه، هل لا تزال استراتيجية الفوضى الخلاّقة التي أطلقتها الوزيرة السابقة كونداليزا رايس معشعشة في رأس رايس؟