طالبت قوي المعارضة السودانية بإشراكها فى مفاوضات القضايا الخلافية العالقة بين السودان وجنوب السودان، ولم تحدد على وجه التحديد طبيعة الصفة التى ستشارك بها، ولكنها قالت إنها تعتبر نفسها (طرفاً ثالثاً)، على حدّ وصفها. الحكومة السودانية من جانبها رفضت الطلب، وقال نائب أمين الاعلام بالحزب الوطني إن على المعارضة إن كانت لها رؤية أن تدفع بها الى لجنة التفاوض. والواقع أنه وبعيداً عن قبول أو رفض الحكومة السودانية لطلب المعارضة هذا، فإنه يبدو طلباً غير متسق سياسياً، وغير منطقي وربما يثير سخرية بعض المراقبين، إذ من المعروف أن قوى المعارضة ليس من اليوم فقط ولكن منذ ما قبل نيفاشا2005 ما فتئت تنادي بإسقاط النظام، ومن البديهي – حتى لدي غير العاقلين – أن من يطالب ويعمل على إسقاط النظام لا يمكن أن يكون جاداً فى الجلوس جنباً الى جنب مع الوفد الحكومي المفاوض، ففي ذلك تناقض ما بعده تناقض، والغريب أن قوى المعارضة السودانية -فى هذه النقطة بالذات- ولمفارقات القدر وسخرياته العجيبة قالت انها تعتبر قضية المفاوضات قضية وطنية! وقال القيادي بالحزب الشيوعي صديق يوسف إن المفاوضات تخص الشعب السوداني وبالتالي فلا بد من إشراكهم فيها، إنابة عن الشعب السوداني! الغرابة هنا أن ذات هذه القوى المعارضة وحين إعتدي الجيش الجنوبي على هجليج فى ابريل الماضي إمتلأ فمهم بالماء ولم يتمكنوا من مجرد إدانة العدوان مما يُستنتج منه أن العدوان على هجليج -بمنطق قوى المعارضة- لم يكن قضية وطنية! من جانب ثاني، فإن إدعاء قوى المعارضة ان المفاوضات شأن وطني يخص الشعب السوداني ومن ثم لا بُد من إشراكها فيها تمثيلاً للشعب السوداني، منطق هادم للطلب تماماً، لأنّ فى ذلك قدح مباشر وصريح فى شرعية الحكومة السودانية التى يطالبونها بإشراكهم جنباً الى جنب معها؛ فكيف لمن يطعن فى شرعية السلطة القائمة التى يعتقدون أنها لا تمثل الشعب السوداني، أن يطالبونها بإشراكهم بجانبها فى المفاوضات؟ مَن إذَن تمثل الحكومة السودانية؟ واذا كانت الحكومة السودانية لا تمثل أحداً، فكيف إتفق إذن أنها تحوز إعترافاً دولياً يجري التفاوض معها على أساسه؟ وكيف صدر قرار مجلس الأمن 2046 متضمناً عودة الطرفين الحكومة السودانية والحكومة الجنوبية للتفاوض؟ الأمر هنا فيه تناقض حيال قرار مجلس الامن والقرار لم يشر الى ضرورة إشراك (طرف ثالث) فى المفاوضات لأن الطرف السوداني لا يملك شرعية كاملة! من جانب ثالث فإن ذات هذا الطلب الخجول المليء بالتناقضات سبق وأن تقدمت به قوي المعارضة فى مفاوضات نيفاشا 2005 ولم يلق استجابة من أحد؛ لا الطرف الحكومي ولا الجنوبي ولا الوسطاء ورعاة المفاوضات، والغريب ان قوى المعارضة حينها كانت جزءاً من الأرضية التى يقف عليها الطرف الجنوبي (التجمع الوطني) ومع ذلك رفض ذلك الطرف قبول إشراكها أو حتى مشاورتها فيما يجري من تفاوض رغم كونهم جميعاً كانوا يشربون من حوضٍ واحد ويأكلون فى مرعي واحد! من جانب رابع، فإن قوى المعارضة - للأسف الشديد - هى بالفعل طرف فيما يجري، ولكن (طرف تابع) –إذا جاز التعبير– أقرب الى الطرف الجنوبي بحكم وجود ارتباطات بتحالفات كاودا المعرفة، إذ لا ينكر أىّ حزب فى ما يسمي بقوى الاجماع وجود صلات له بما يسمي بتحالف الجبهة الثورية أو تحالف كاودا، وتأسيساً على ذلك فهذه القوى – ومرّة أخري للأسف الشديد – ملطخة الثياب بدماء سالت فى جنوب كردفان ودارفور والنيل الازرق، وهى بهذه الصفة لا يمكن لعاقل أن يزعم أنها تمثل الشعب السوداني بحال من الأحوال!