في خضم هذه الصورة العدائية الموغلة في البدائية من جانب حكومة الجنوب وإعلانها ما يشبه حالة الحرب بتقديمها لخريطة دولة الجنوب 2012 وإضافتها لمناطق في الأصل كانت وما تزال داخل حدود السودان المعترف بها في 1/1/1956م أي أن جوبا تريد من خلال خريطة الجنوب الجديدة أن تعلن إمام القبول بها أو أن جوبا قادرة بالقوة والحرب والعدوان على الاستيلاء على المناطق التي تعتبرها خاصة بالجنوب وليس الشمال. مما أثار دهشة الوسيط الإقليمي والدولي قبل إن يثير غضب ورد فعل المفاوض السوداني في أديس أبابا. ومن ثم قفز على الخاطر التساؤل أين من كان يقال عنهم حكماء أو عقلاء الجنوب – السادة أبيل ألير القانوني ورئيس أول حكومة للإقليم الجنوبي بعد اتفاقية السلام في حقبة السبعينيات ثم نائب رئيس الجمهورية ثم رئيس مفوضية أول انتخابات عامة مباشرة بموجب اتفاقية السلام الشامل (2005 – 2010) وبونا ملوال الإعلامي والأكاديمي ووزير الثقافة والإعلام وعضو المكتب السياسي في الاتحادي الاشتراكي السوداني ومستشار رئيس الجمهورية 2005 – 2010م. والدكتور لام أكول الأكاديمي وعضو الحركة الشعبية النافذ والمفاوض الأول في مبادرة السلام السودانية التي وقعها رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي السيد محمد عثمان الميرغني والعقيد جون قرنق في 16 فبراير 1988 بأديس أبابا ووزير الخارجية الذي أشاد به وزراء الخارجية العرب لحنكته ولغته العربية الجيدة في مؤتمر وزراء الخارجية بالخرطوم. وهنالك من هو في وزنهم وقدرهم وخبرتهم في الشأن السوداني بوجه عام والجنوب بوجه خاص ولكني اخترتهم لمعرفتي وصلتي بهم على مدي سنوات طويلة وهم أصدقاء مع الاختلاف التام في مآلات الأمور لاحقاً. وأضيف أكثر من فقرة وواقعة بالنسبة للسيد أبيل ألير الذي عرفته نائباً في الجمعية التأسيسية في حقبة الستينات وظل على الدوام يحظي بالاحترام والتقدير من الجميع وقد لمست وفاءه الجم لأصدقائه الأستاذ الصحفي بشير محمد سعيد والاقتصادي الفذ مأمون بحيري ورجل الأعمال الناجح سعد أبو العلا والقانوني الكفء محمود حاج الشيخ إبان حياتهم وبعد رحيلهم. وقد انتقدت ما كتبه في كتابه (نقض العهود) أي نقض عهود الحكومات الوطنية للمواثيق والاتفاقيات مع رموز الجنوب وخاصة فرية القرار الخاص الذي أصدره الرئيس جعفر نميري في اتخاذ القرار وكلف رئيس مجلس الشعب السيد عز الدين السيد (متعه الله بالصحة) مع مجموعة من أعضاء المجلس بمراجعة برلمان الجنوب في قرار التقسيم وإخضاعه مرة أخرى للتداول والمناقشة. وحينها روى لي السيد عز الدين السيد كيف تمت المناقشة المفتوحة الحرة في البرلمان بجوبا وجري التصويت على قرار التقسيم من إقليم (1) إلي (3) أقاليم بالوقوف وليس بالصوت ولا بالورقة وإنما إمعاناً في التمسك بالقرار والوضوح فكان التصويت وقوفاً. وما كان من الوفد الرفيع المكلف بالمهمة إلا أن عاد للخرطوم ناقلاً إليه – أي الرئيس – ما أجازه برلمان الجنوب ويفترض أن مضابط البرلمان وكذلك مذكرة الجنرالات وزعماء القبائل موجودة أيضاً في رئاسة الجمهورية. ووقتها فإنه لا رئيس حكومة إقليم الجنوب ولا زعماء الدينكا قد اعترضوا على قرار التقسيم الذي كان في الأصل قراراً جنوبياً وليس قراراً رئاسياً باستثناء المرسوم. ثم نتساءل في وجه عدائيات جوبا أين حكماء وعقلاء الجنوب وهل هم على شاكلة قادة الحكم الحاليين؟. نقلاً عن صحيفة أخبار اليوم 13/6/2012م