انطلقت قبل يومين بالعاصمة الإثيوبية، الجولة الثانية من المفاوضات بين السودان ودولة جنوب السودان، تحت رعاية الآلية الإفريقية رفيعة المستوى برئاسة الرئيس الجنوب إفريقي السابق ثامبو أمبيكي، بعد توقف لقرابة الأسبوعين، قدّم فيه الوسيط الإفريقي تقريراً لمجلس الأمن الدولي حول نتائج الجولة السابقة مذ بدأ الطرفان تفاوضهما، ومسلّط على الرقاب سيف القرار« 2046». والتأمت اللجنة السياسية الأمنية المشتركة منذ الجمعة مرة أخرى لمناقشة الملف الأمني الذي اشترط السودان حسمه قبل الدخول في القضايا الخلافية الأخرى.. إذ توجد خلافات بائنة وعميقة الغور في ملف الحدود والمناطق المتنازع عليها وكيفية تحديد المنطقة العازلة المنزوعة السلاح بعمق عشرة كيلومترات لدى كل طرف، ومراقبة الحدود وضبطها ومنع تحركات ونشاطات الحركات والجماعات المعارضة المسلحة التي توجد فيها وتشكل هاجساً أمنياً لكل من الخرطوموجوبا. وحتى صباح أمس لم يكن هناك تقدُّم ولا جديد في هذه المسائل، ومنهج حكومة الجنوب معروف وهو عرقلة التفاوض بذرائع شتى حتى لا يتم التوصل لاتفاق، والسبب أن جوبا تراهن على تطورات قد تحدث في الخرطوم يصبح فيها النظام القائم في خبر كان ..!وتعمل كثير من الجهات التي تقف وراء جوبا والدوائر الغربية التي تدعمها على تعضيد مراهنة دولة الجنوب على ذلك حتى تربح كل ما تريد في حال حدوث تغيير يعصف بالسلطة القائمة في السودان، والغريب أن تحركات المعارضة الداخلية التي تنسق مع الأطراف المسلحة مستغلة الإجراءات الاقتصادية الأخيرة تجد التشجيع والتأييد المطلق من الجهات الغربية خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن قبلها حكومة الجنوب، لتحقيق ذات الغرض. وانعكست هذه الأوضاع الداخلية في الخرطوم على المشهد التفاوضي، مع بدء جوبا في لعب لعبة التطويل والمماطلة والتعنت وعرقة جدول أعمال التفاوض، بُغية كسب الرهان المنصوبة أعمدته على مشدات الرياح. ومع علمنا اليقيني، بأن هذه المفاوضات عبثية لا طائل تحتها ولن تحقق شيئاً، وستستمر حتى الموعد الذي قطعه مجلس الأمن الدولي في الثاني من أغسطس المقبل، ولن تعجز آلية الوساطة وأطراف عديدة في المجتمع الدولي من إيجاد المبررات الكافية لتحميل الخرطوم مسؤولية الإخفاق وفشل المفاوضات في الوصول لاتفاق ينهي حالة التنازع بين البلدين الجارين. وواضح أنه لا توجد إرادة سياسية قوية لدى دولة الجنوب لتسوية خلافاتها مع السودان، وهي تعتمد في كل حركاتها وسكناتها على ما تمليه عليها واشنطون وصويحباتها في المدى وكيفية إدارة التفاوض وأين ستكون أشواطه الختامية. وهنا لابد من الإشارة إلى أن وفد حكومة دولة الجنوب منذ الجولة السابقة كان يركز على قضية واحدة تتعلق باللجوء للتحكيم الدولي بشأن المناطق المتنازع عليها، وإذا قبلت الحكومة السودانية هذا التحكيم فستلد المناطق المتنازع عليها الخمس والخمس الأخرى التي أضافتها جوبا وبينها هجليج وحفرة النحاس وكفيا كنجي والميل «14» في سماحة والمشاريع الزراعية في ولاية سنار، ومناطق أخرى، وعندها ستكون هناك ورطة كبيرة لأن المجتمع الدولي سيتشكك في تبعية كل هذه المناطق للسودان وربما يقتنع بأحقية الجنوب حولها خاصة أن التحكيم الدولي ليس فوق الشبهات ولن يكون مبرأً من الاعتبارات السياسية أو نزيهاً، ودون الناس تجربة التحكيم الدولي في قضية أبيي. كل المطلوب من الوفد المفاوض في اللجنة السياسية الأمنية المشتركة، أن لا يغرق بكلتا قدميه في الوحل ويوافق على أي نوع من التحكيم الدولي، وعليه أن يتمسك بالمسار التفاوضي المباشر وحصر الحل في إطار الحالي بالرغم من أنه فلت وذهب بعيداً إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة في مبنى الأممالمتحدة وبات نائياً وقصياً. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 24/6/2012م