قالت مصادر دبلوماسية غربية فى العاصمة البلجيكية بروكسل حيث مقر الإتحاد الأوربي، إن الإجراءات التقشفية التى تنفذها الحكومة السودانية حالياً بهدف إحداث إصلاح فى الاقتصاد السوداني هى اجراءات سليمة، وفى الوقت نفسه تنُم عن ثقة الحكومة السودانية بنفسها فى ظل الظروف السياسية المعقدة التى يعيشها السودان، وأضافت المصادر، إن الواقعية التى تحلّت بها الخرطوم فى مواجهة الأزمة ومواجهة شعبها ووضع البدائل موضع التنفيذ الفوري ألقت عن كاهل العالم عبء مواجهة تداعيات الأزمة السودانية، والتى كان من المرجح أن تؤدي الى إنهيار واسع النطاق فى الاقتصاد السوداني يقود بدوره الى إنفراط عقد الأمن ويصبح السودان فى غضون أسابيع بؤرة أمنية وإنسانية بالغة البشاعة تكلف المجتمع الدولي الكثير. وتشير متابعات (سودان سفاري) الى ان الاتحاد الاوربي ينظر الى تداعيات الأزمة المتمثلة فى بعض الإحتجاجات الشعبية والتظاهرات فى العاصمة الخرطوم كأمر طبيعي لا يدعو الى القلق بالنظر الى شدة الاجراءات التقشفية، وأن من المتوقع ان يتحسن أداء الاقتصاد السوداني فى مدي ثلاثة أشهر ويتأقلم المواطنون معه ومن ثم يتيح ذلك للحكومة السودانية وضع المعالجات الاستراتيجية على المدي البعيد. ومن الملاحظ هنا أن الاتحاد الأوربي الذى ينظر الى الأزمة السودانية بذات القدر الذى ينظر به الى الأزمة المنتظرة فى دولة جنوب السودان لكون أن الأزمتين من مسبّب واحد هو تداعيات الانفصال ووقف ضخ النفط الجنوبي، بدا كمن يشجع الخرطوم على المضي قدماً فى إجراءاتها التقشفية على أمل ان تفعل جوبا وتحذو ذات الحذو، إذ يسود القلق على مستوي العالم من الأزمة التى سبق وأن تنبأ لها البنك الدولي فى تقرير سري شهير صدر قبل أسابيع ،أشار الى حتمية انهيار الدولة الجنوبية جراء الأزمة الاقتصادية الطاحنة المرتقبة هناك والتى تسبب فيها قرارها بوقف انتاج النفط وتصديره. ويقول الخبير الاقتصادي الهولندي الجنسية (ر.م.س) إن قدر غير قليل من ممثلي الاتحاد الأوربي فى عدد من بلدان العالم لا يخفون إعجابهم بمقدار الشفافية الذى إنتهجته الحكومة السودانية فى معالجة أمرين، بحزمة واحدة؛ معالجة هياكل الاقتصاد السوداني وإخراجه من المنطقة الحرجة التى كان فيها والتى كانت تجمع ما بين اقتصاد السوق الحر والاقتصاد المختلط الى إقتصاد السوق الحر بإجراءاته وعناصره المعروفة. الأمر الثاني معالجة الهيكل الإداري للدولة بحيث يتم الاستغناء عن كل أشكال الترضيات السياسية التى أفضت الى أن يصبح جهاز الدولة مترهلاً بالغ الإتساع يستنزف الكثير من المال ولا يؤدي إلا القليل من العمل. وتساءل الخبير الاقتصادي ماذا تريد قوي المعارضة أكثر من ذلك؟ نحن حيال عملية إصلاح وتنظيف للساحة من الشوائب والزوائد غير المطلوبة؟ والواقع إن ما قامت به الحكومة السودانية -ومهما كانت مآخذ البعض عليها- هى من قبيل الاجراءات المطلوبة لتصحيح مسار الدولة بصرف النظر عمن يحكمها، ففي النهاية فإن الدولة هى الأبقي والانظمة السياسية تذهب وتأتي ؛ كما أن تحميل الحكومة السودانية وزر مواجهة حروب الأطراف المدعومة بكثافة من الخارج، والتى تقتطع ثلثيّ موازنة الدولة ثم تحميلها وزر وضع المعالجات الناجعة لهذا الاختلال فى الموازنة - فى ظل استمرار الحروب المدعومة دولياً - ثم تحمليها وزر مواجهة التظاهرات الشعبية التى يسهم البعض فى تأجيجها لأهداف خاصة – هى أمر فوق طاقة أىّ حكومة فى العالم، ولهذا فإن من الطبيعي أن يمتدح بعض الخبراء الناظرين الى الأمور بقدر من الواقعية هذه الاجراءات إذ أنهم يدركون ان المهمة صعبة وأن أهمّ ما تتطلبه هو الجرأة والثقة بالنفس والقدرة على المواجهة.