كان أمين عام الأممالمتحدة السيد بان كي مون في أقصي حالات التناقض وهو يخاطب قمة الاتحاد الافريقي التي انعقدت بمقر الاتحاد بأديس أبابا قبل أيام ، و يطالب القادة الافارقه - دون أن يطرف له جفن- بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية! وبالطبع لم يفت علي فطنة أحد أن كي مون كان (يحرض) قادة القارة السمراء علي الرئيس البشير المرشح لإنتخابات الرئاسة التي تجري الان علي قدم وساق في السودان كأول انتخابات تشمل كافة المستويات و تخوضها كافة القوي السياسية السودانية، بقانون أشاد به كي مون نفسه وباجراءات قامت بها المفوضية السودانية للانتخابات أيضاً أشاد بها كي مون نفسه في اخر تقرير له الي مجلس الأمن قبل انعقاد قمة الاتحاد الافريقي مباشرة. و مكمن تناقض الأمين العام للأمم المتحدة وهو يدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية أن الرجل نسي أو تناسي - كلاهما سيان- أن منظمته تتشارك مع الاتحاد الافريقي في مهمتين أساسيتين هما: حفظ السلام في دارفور عبر قوات اليوناميد (القوات الهجين)، والمهمة الثانية احلال السلام في الاقليم عبر رعاية مفاوضات مباشرة يقودها الوسيط المشترك جبريل باسولي. و تقتضي مهمة احلال السلام في دارفور دعم و تشجيع المفاوضات، وفي الوقت الذي كان فيه كي مون يتحدث للقادة الأفارقه كانت مفاوضات الدوحة الخاصة بإحلال السلام في دارفور تجري و تتعثر بسبب تعنت القادة المتمردين للحركات المسلحة و قد أفسد كي مون الأمر تماماً أو زاده افساداً بدعوته للتعاون مع الجنائية لأن النتيجة المباشرة لهذه الدعوة تترجم لدي الحركات المسلحة - بسرعة البرق- بأن الحكومة السودانية في موقف ضعيف ومن ثم لا مجال للتفاوض معها ما لم تتعاون مع الجنائية وهكذا فان المفوضات تفشل و تتعثر. و من جهة ثانية فان كي مون يعلم - من واقع التقارير التي تصله بانتظام - خفوت صوت العنف في دارفور وانتهاء الصراع وهو أمر لم يعد محل شك حتي لدي أكبر المنظمات و قوي الضغط الدولية المعروفه المغالبة في مواقفها تجاه السودان و بحديثه هذا، فتح كي مون الباب لعودة الصراعات مجدداً وقد شهدنا الاشتباكات العنيفة بين حركتي د. خليل وحركة كبير مساعدي الرئيس مني أركو ميناوي بجبل مون بولاية غرب دارفور والتي سقط جراءها حوالي (119) ما بين جريح و قتيل من الجانبين، في منحي يعتبره المراقبون مسنود ومدبر لإعادة العنف الي دارفور واعاقة العملية الانتخابية ،و العودة لحديث الجنائية الدولية لإضعاف الرئيس البشير بعد ما باتت كفته هي الارجح. وهكذا هو المجتمع الدولي - للأسف الشديد- يمايز و يعاير بشأن الديمقراطية كيفما يشاء، فإن إستهوته ديمقراطية ما، إرتضاها ودعمها وان لم تعجبه أو لم يستلطف ديمقراطية أخري أعاقها وأفسدها، و لعل الأمر الاكثر أسفاً، أن أمين عام الأممالمتحدة، و بعد كل هذه المراحل التي اجتازها السودان يعود وفي هذا المنعطف التاريخي الكبير للحديث عن الجنائية رغم علمه المسبق بموقف القادة الافارقة منها !