فى الوقت الذى كان فيه وزير الخارجية السوداني الأستاذ على كرتي يؤكد على قناعة السودان التامة فى إستدامة السلام فى المنطقة عموماً، ومع دولة جنوب السودان على وجه الخصوص؛ كانت الحكومة الجنوبية -بالتزامن مع تصريحات كرتي- تؤكد من جانبها إستعدادها لخوض الحرب ضد السودان لحل الخلاف الحدودي بين البلدين. الوزير كرتي كان يتحدث فى العاصمة النرويجية (أوسلو) فى ثنايا لقاء جمعه هناك مع وزير التعاون والبيئة النرويجي (هيكلي هولماس)؛ بحثا خلاله آفاق التعاون بين البلدين من جهة، وقضية المفاوضات الجارية بين الخرطوموجوبا فى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا من جهة أخري. أما المسئول الجنوبي وهو الجنرال (كوال ديم كوال) فقد كان يتحدث فى إحتفال جري فى مدينة بور، أشار فيه الى أنَّ الصراع بين بلاده والخرطوم لم ينتهِ بعد فى ظل الخلاف الحدودي الذي قال إن بلاده قادرة على حسمه عسكرياًّ! كان هذان المواقفان متزامنان كذلك مع إستئناف جولة التفاوض بين الجانبين السوداني والجنوبي فى مدينة (بحر دار) الإثيوبية فى ظل إنعقاد القمة الافريقية رقم 19 فى مقر الاتحاد الافريقي بأديس أبابا والتى رجّحت العديد من المصارد إحتمال إلتقاء الرئيسين البشير وسلفا كير على هامشها لدفع عجلة التفاوض وربما معالجة بعض النقاط المستعصية فى مائدة التفاوض. وكما رأينا فإن نوايا الطرفين بهذه المثابة علي طرفيّ نقيض بصرف النظر عن إمكانية الطرف الجنوبي فى القدرة على شنّ حرب، دعك من كسبها. ذلك أن الأمر الذى ظل ماثلاً بإستمرار أن جوبا ليس لديها ما يمكن أن تقدمه للسودان سوي الحروب؛ ولعل هذه الفرضية يدعمها حديث صريح سبق وأن همس به مسئول جنوبي رفيع فى مسامرة سياسية جمعته بمسئول كيني فى نيروبي الشهر الفائت، ففي خضم المناخ المعد بعناية فى ضاحية كينية ساحرة خلبت عقل المسئول الجنوبي الرفيع وحلّقت به قليلا، أفاض وأسهب فى إستراتيجية بلاده تجاه السودان، وكان مما قاله ضمن حديث مطوّل بعضه مترابط وبعضه غير ذلك بحسب المناخ الإستوائي المغري، إن جوبا تركت كل شيء بما فى ذلك تأسيس الدولة وإطعام وخدمة المواطنين الجنوبيين الى حين حسم قضاياها مع السودان ولو كلّف ذلك عشرة أعوام قادمات. وأشار بقدر وافر من (النشوة) أن بلاده عازمة على تلقين (المندكرو) على حدّ تعبيره أبلغ الدروس حتى تصبح دولة الجنوب هى الأقوي والسودان هو الأدني! وتعضيداً لهذه الفرضية أيضاً فإن عمليات تدريب شاقة ومتقدمة جرت لكتائب من الجيش الشعبي في معسكر قريب من العاصمة الجنوبيةجوبا شارك فيه خبراء أمريكيين لتصحيح تكتيك الجيش الشعبي من مجرد جيش عصابي يحسن فقط الضرب والهرب، الى جيش محترف يجيد كافة أنواع وفنون القتال. ولهذا فإن واحدة من أكبر التوقعات –رغم الدرس البليغ الذى تلقته جوبا فى هجليج– هو أن يشنّ الجيش الجنوبي – من جيد – هجمات جديدة فى المرحلة القريبة المقبلة فى ظل إستحالة تقديم تنازلات من جانب جوبا فى الخلافات التى يجري حولها التفاوض حالياً، خاصة وأن كل التكتيكات التى جرَّبها الجيش الشعبي فى جنوب كردفان والنيل الأزرق وأنحاء قريبة من دارفور لم تنجح ؛ كما أن الجانب السوداني أكد على إستحالة تنازله عن أىّ أرض سودانية مهما كان الثمن لصالح جوبا. إذن نحن أمام حرب مُفترضة على المدي القريب ومن المؤكد أنها حرب تريدها جوبا ويريدها حلفائها فى واشنطن، كلٌ بأسبابه، وهى ستكون الجسر الذي تُنقل به المنطقة من حالة الجمود الحالية الى حالة أكثر سخونة ومواتية لتحريك بيادق الشطرنج بصورة أفضل!