من الطبيعي والمتوقع أن يعاد تسويق مذكرة الجنايات الدولية تجاه السودان في هذا الظرف وهذا التوقيت بالذات. الأمر هنا لا يثير الدهشة ولا يمثل خبراً بالمواصفات التي تعارف عليها خبراء الصحافة والاعلام عن الخبر. الجنايات الدولية حتي لدي أقل الناس ادراكاً بطبيعتها في العالم أداة سياسية بحته في عالم من المستحيل أن يتواضع فيه الكبار وغير الكبار علي عدالة تمتلك ميزاناً من الذهب، فها هو تقرير القاضي اليهودي الديانة (غولدستون) بشأن فظائع بني جلدته من الاسرائيلين في غزة، تقرير تضمن آلاف و ليس مئات الجرائم الدولية التي تعارف الفقة الدولي علي وصفها بجرائم حرب، و أدلة موثقه مستقاة من مسرح الجريمة سواء بالقنابل الفسفورية المحرمة دولياً أو الأسلحة التي (تجري لأول مرة)؛ بل ان التقرير تضمن اعتداءات متعمدة علي نساء و أطفال بصورة جماعية و اعتداءات علي دور و مقار لمنظمات دولية مثل مدارس (الأنروا). تقرير بهذه الأهمية و المهنية مضافاً اليه ما نقلته الفضائيات علي الهواء مباشرة يتم إهماله و التهرب من اصدار قرار بشأنه، بل ان بريطانيا احدي أكثر الأعضاء مجلس الأمن مغالاة بشأن الجنائية الدولية دخلت في (حرج سياسي) بالغ لمجرد صدور مذكرة محلية من القضاء البريطاني في مواجهة الوزيرة الاسرائيلية السابقة، احدي أبرز مهندسات حرب غزة (تسيبي ليفني) و تجري محاولات لتعديل نظامها القضائي لتفادي مثل هذه المواقف مستقبلاً ! عالم بهذه الهيئة المعوجة، وهذا الخرق الفاضح لمعني العدالة، ينظر الآن الي بلد مثل السودان قطع شوطاً في تضميد جراحه و يسعي للملمة أطرافه وحل مشاكله ليرسخ عملية تداول سلمي للسلطة عبر آلية الديمقراطية التي يتشدق بها الغرب عموما و بريطانيا علي وجه الخصوص ينظرون اليه بوجل و خوف من أن ينجح بالفعل في تجاوز أزماته ومن ثم استقراره و ترسيخ الديمقراطية. فالمفارقه هنا أن الديمقراطية - و إن اتحدت في المعني و المبني- فانها لديهم تختلف في المقصد و الهدف و المفارقة أيضاً أن محكمتهم المدعاة جنائية تنتقي البعض ممن ينتمون الي القارة الافريقية في اشارة الي الماضي المحزن الذي استعبدوا فيه ذوي البشرة السمراء و تدع و تترك المجرمين الكبار الذين ينتمون الي السامية! لكل ذلك قلنا ان موضوع الجنائية الدولية سوف يثار لعرقلة العملية السلمية و الاستحقاق الانتخابي و لعل أبلغ شاهد علي ذلك أن مدعي عام الجنائية - و كعادته في سلوكه الاعلامي - لوَّح باقتراب صدور مذكرة اضافية بتهمة ابادة جماعية التهمة التي لم يتسن له اثباتها و نفتها كل المنظمات الدولية حتي الولاياتالمتحدة نفسها، كما أن محامية فرنسية شهيرة ألقمته حجراً قبل أيام بشأن فبركته لأدلة ضد المتمرد الكنغولي توماس لونيغا لتعزز هذه المحامية من أحاديث مجموعة تصحيح أزمة دارفور التي تناولت ذات الامر و قالت ان أوكامبو بارع في اصطناع الادلة وخلق صيغ الشهادات لإختلاف التهم! ان هذه العدالة لن يعترف بها أحد حتي توضع لها معايير لا تفرق بين هذا أو ذاك و حتي تتخلص من (النتانة السياسية والاستخبارية) المزكمة للأنوف فما عادت ألاعيب ساسة العالم الاول تنطلي علي أحد - ما عادت كذلك!!