بذات القدر الذي تسببت فيه تصرفات الدولة العبرية في اعادة قضية حصار غزة الى الواجهة واستعدت العالم باسره ضدها مما وضعها في موقف ضعيف للغاية عقب هجومها على اسطول الحرية مؤخراً، فإن محكمة الجنايات الدولية لم تتأخر هي الأخرى في استعداء العديد من الناشطين الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني ضدها عقب انعقاد مؤتمرها مؤخراً بالعاصمة اليوغندية كمبالا. فقد سلط المؤتمر – من حيث لم يكن يقصد – الضوء على قضية العدالة الدولية الانتقائية وكيف أنها عدالة تستهدف دولاً ومسؤولين بعينهم وتتقاصر هامتها في أن تصبح عدالة حقيقية في مواجهة الجميع، وكانت المفاجأة أن الجمعيات الحقوقية التي نددت بمحكمة الجنايات الدولية وثارت ضدها – ربما لأول مرة بهذه الكثافة والشدة – ظهرت في الولاياتالمتحدةالأمريكية وقد جاءت في مقدمة هذه المنظمات المنظمة العالمية للدفاع عن السودان ويقول مصدر حقوقي هاتفته (سفاري) في نيويورك أن الاميريكيين أصلاً لم ينفعلوا في يوم ما مع المحكمة، ذلك على الرغم من الادارات الأمريكية المختلفة ظلت تستخدم سوط الجنائية في تعاملها السياسي تبتز به تارة، وتحقق به بعض مصالحها تارة أخرى، بحسب ظروفها السياسية، ويضيف المصدر أن الجهة الوحيدة التي ظلت تؤلّب ادارة أوباما لاتخاذ اجراء قاسي ضد السودان لعدم تعاونه مع المحكمة هي جمعيات انقذوا دارفور المكونة من بعض الأميريكيين السود وبعض اليهود في نيويورك ولكن ادارة أوباما حرصت على عدم الانجرار خلفهم بالرغم من أنها تمارس ضغطاً متواصلاً وتطالب باقصاء مبعوث أوباما الخاص الى السودان، ولكن ادارة أوباما تتعامل (بحذر شديد) بحسب المصدر مع هذا الملف لأنها تعتبره ملف شائك له عواقبه الحاضرة على العملية السلمية في السودان وفي المنطقة بل وعلى مستوى العلاقات الدولية. في بريطانيا وتحديداً في عاصمتها لندن قالت جمعية أخرى ناشطة ضد الجنايات الدولية انها لم تتوفر بعد على أدلة قاطعة تفيد بتورط المسؤولين في السودان في جرائم حرب وأضافت إحدى الناشطات البريطانية الأصل (ماري تمبرستون) ان محكمة الجنايات الدولية تخطئ ألف مرة حين توجه كل جهدها لقضايا مشكوك في صحتها بينما تغض الطرف عن قضايا واضحة مثل اعتداء البحري الاسرائيلية الاخير على اسطول الحرية ومثل تقرير القاضي (غولدستون) عن جرائم غزة ودعت ماري الى (الكف عن خداعنا)! حسب تعبيرها والنظر في القضايا الجنائية الحقيقية التي ترتكب تحت سمع وبصر العالم بأسره. وفي بون بألمانيا قال ناشط سياسي في حزب الماني (إنهم لم يعد يثقون في المنظمات الدولية التي تركز على أشخاص ومناطق بعينهم وتتجاهل – دون مبرر – أشخاص ومناطق اخرى)! وهكذا يمكن القول اجمالاً أن مؤتمر الجنايات الدولية في كمبالا – رغم توصياته النظرية التي لم تأت بجديد – تكفّل باثارة الرأي العام العالمي ضد المحكمة، وهذا في الواقع ما هو إلا تأكيد على أن الحق لا ينقضي وأنه ومهما مورس الظلم والكيل بأكثر من مكيال فإن الوجدان الإنساني عائد لا محالة الى الجادة والى الحق.