لا تزال فيما يبدو المقولة المحكمة التي قالها مستشار الرئيس الدكتور غازي صلاح الدين من أن السودان عاش من قبل بدون أمريكا وفي استطاعته أن يفعل هي السائدة ودائرة صعوداً وهبوطاً في ردهات صناعة القرار في واشنطن، فطوال عام انصرم حتي من عمر ادارة الرئيس أوباما التي وعدت بالتغيير في سياستها الخارجية فان العلاقات بين السودان والولايات المتحدة وان خفت حدة العداء فيها وتراجعت بؤر التوتر عن مسالكها الوعرة الا أنها لم تستقر بعد علي جودي الاستقرار. صحيح أن الموفد الأمريكي الخاص سكوت غرايشن جاء وعاد مراراً وتكراراً وزار مناطق عدة، ووقف علي كل شئ غرباً وجنوباً واستمع الي الكثيرين في الخرطوم، ودخل في سجال سياسي هادئ مطول لأكثر من مرة مع د. غاري الا أن غرايشن- كما نعلم- ليس هو وحده ولا هو والرئيس أوباما الذي أوفده اللذان يصنعان القرار بمفرادهما في واشنطن فهناك غلاة المتعصبين في هذه الادارة بدءاً من نائب الرئيس جون بمايدن مروراً بوزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ومندوبة واشنطن في الأممالمتحدة سوزان رايس والاخيرة كانت قبل أيام تتهم الخرطوم بتسليح قبائل الجنوب السوداني وتشيع الفوضي في الجنوب!! علي هذه الخلفية انعقد الاسبوع الماضي في واشنطن اجتماعاً علي درجة كبيرة من الاهمية لادارة الرئيس أوباما الهدف الاساسي والاوحد منه هو تحديد موقف الادارة من السودان ليس في شأن محدد وانما في كل شئ خاصة وأن السودان مقبل علي استحقاق انتخابي مفصلي غير مسبوق، التنافس فيه علي أشده ومن الممكن أن يحصل فيه المؤتمر الوطني الذي لا تستلطفه واشنطن ولا نقول تعاديه وتمقته علي شرعية شعبية تجعله الفاعل الرئيسي في الساحة السياسية السودانية بقرار صناديق الاقتراع. الاجتماع الذي جري تحديده قبل أسابيع ضم عدداً من الشخصيات المهمة والمؤثرة في ادارة أوباما فقد ضم كل من نائب مستشار الامن القومي (توم دونيلون) ونائب وزيرة الخارجية (جيم شتاينبرج) ووكيل وزير المالية لشئون الارهاب- لاحظ للتسمية والصفة الغربية-(ستيورات ليفي) ووكيلة وزارة الدفاع للشئون السياسية- لاحظ أيضاً غرابة الصفة- (مشيل فلورني). كما ضم الاجتماع أيضاً (غريك باركسي) نائب المندوبه الامريكية في مجلس الأمن. لقد كان من الواضح من خلال استعراض أسماء وصفات هذه المجوعة أن هؤلاء يمثلون غالب الادارة الامريكية ان لم يكن مجمل الفعل السياسي الامريكي فالملفات التي يديرونها حساسة وخطيرة. ومع ذلك وعلي الرغم من جلوس كل هؤلاء لساعات استعرضوا فيها تقاريراً عديدة مختلفة الا أنهم (فشلوا) في التوصل الي رؤية موحدة متجانسة بشأن موقف واشنطن من السودان. ومن المؤكد ودون الخوض في أي تفاصيل- وهم أصلاً لم يسمحوا كعادتهم بنشر تفاصيل- أن ادارة أوباما في الواقع لم تجد وربما لن تجد شئياً تفعله حيال السودان فاتفاقية سلام نيفاشا 2005 شارفت علي محطتها الاخيرة ولا عقبات بشأنها ومكافحة الارهاب شارك فيها السودان بفاعلية وادي دوره، وبالنسبة للانتخابات العامة- الشأن الحقوقي والديمقراطي- فهي جارية علي قدم وساق وبالنسبة لملف دارفور فالمفاوضات جارية في الدوحة. وهكذا فان المجتمعين دون أدني شك دارت في عقولهم مقولة د. غازي ولذا حار بهم الدليل ولم يجدوا شئياً يفعلونه لأن السودان بهم وبدونهم ماضٍ في طريقه!!