في تصريح هادىء ومعتدل الصياغة أعلن المتحدث باسم وفد السودان المشارك في مفاوضات أديس أبابا مع دولة جنوب السودان مطرف صديق : قال فيه إن الجانبين السوداني والجنوبي قد اتفقا على أخذ الموضوعات المتبقية كحزمة واحدة وألا تكون هناك انتقائية. وقال إن القاعدة هي أن تؤخذ الموضوعات حزمة متكاملة بمنظور كلي، في إشارة إلى أن الترتيبات الأمنية ذات صلة قوية بالترتيبات والاتفاقات الاقتصادية. وعبر عن أمله من هذا المنطلق بأن يصل الطرفان لترتيبات أمنية تسمح بضخ ونقل البترول. وقال مطرف صديق إن السودان وجنوب السودان قد توصلا لاتفاقات حول 80% تقريباً من المسائل الأمنية العالقة وأن المتبقي منها يمكن للطرفين تجاوزه. وقال إن السودان سيعدل مطالبه بشأن رسوم عبور نفط جنوب السودان المتجه للتصدير عندما تستأنف المحادثات بين البلدين. ومعروف أن السودان كان يطالب ب(36) دولاراً للبرميل المنقول في خطين للأنابيب يمران عبر أراضيه، بينما كانت حكومة الجنوب قد قدرت أقل من دولار لخدمات نقل البرميل عبر السودان. لكن عبر مراحل المفاوضات المختلفة أعلنت حكومة الجنوب مؤخراً أنها مستعدة لدفع مبلغ (9.10) دولارات و(7.26) دولارات للبرميل عبر الخطين، بالإضافة إلى حزمة قدرها 3.2 مليارات دولار لتعويض الشمال عن فقدان معظم نفط السودان الموحد. مشكلة التصريحات السياسية كانت دائماً علة العلل في التعبير عن المواقف السياسية. فبعض التصريحات الملتهبة يكون المقصود منها ارسال رسالة ما إلى جهة محددة مثل القاعدة الشعبية الداعمة للحكم حيث يكون المقصود من التصريح رفع الروح المعنوية، أو إلى الخصم للتحذير. فالتصريح الذي سبق وصرح به مسئول كبير في الدولة وقال إن النفط سبق وأوقف من قبل الجنوب، لكن لن يعاود الجنوب ضخه إلا بإذن من السودان. قوة التصريح والكلمات الصاخبة التي استخدمت في صياغته قد تقرب معناه من معنى أن السودان زاهد في التعامل مع نفط الجنوب إلا بشروطه هو. تصريح مطرف صديق الأخير كان صريحاً وواقعياً. قال إن حكومته لديها الرغبة في استمرار ضخ النفط الجنوبي عبر أراضيه. فالوقت ما عاد يسمح بالمداراة، إذ لم يعد هناك شيء خافي بالنسبة للأوضاع الاقتصادية في البلدين. الجنوب، على سبيل المثال، كان يأمل في سقوط الحكم في السودان إذا انقطع عنه نفط الجنوب لثلاثة أشهر. وفي تفس الوقت كان يأمل في إخفاء سوء بنيته الاقتصادية بفضل الدعم الخارجي له. صحيح الحكم في السودان لم يسقط لكن حدثت به تشوهات وضعته على الحافة. كان من الممكن أن تتمدد الاحتجاجات إلى حدها الأقصى وتسقط النظام ولكن الشارع قدر أن الأزمة الاقتصادية ليست أزمة سودانية فقط وإنما هي أزمة عالمية لم تسلم من سلبياتها حتى الدول الكبرى في الغرب. وأن مفتاح الآزمة في السودان معروف وهو انسحاب البترول الجنوبي من مالية السودان وما كان يقدمه من دعم لميزانه التجاري. وضوح هذه العوامل قلل من أهمية العوامل التي كان يبثها خصوم النظام ضده مثل عامل الفساد وعشوائية إدارة المال العام. وقد وصفت صحيفة أمريكية الذكاء الذي أدار به النظام أزمته الأخيرة واعتبرته أحد أهم العوامل التي أنقذته من السقوط. وبعد .. بالاقتراب من الهدف تبدأ الأمور في الاستعدال .. وهذه من علامات الاقتراب من النهاية السعيدة. نقلاً عن صحيفة الرائد 29/7/2012م