ما أن ظهر قطاع الشمال برئاسة ياسر عرمان كطرف في مفاوضات (أديس أبابا) بين السودان ودولة جنوب السودان زاد معدل السخط العام على المفاوضات ووفدها استهجاناً، وما أن انتهت تلاوة خبر بأن الحكومة تشرع في التفاوض مع قطاع الشمال حتى بدأت حرب التصريحات بين الطرفين. بالأمس صرح أبن المخابرات الإسرائيلية الأمريكية عرمان قائلاً: لا علم لنا بما يتحدث عنه مطرف صديق بشأن مفاوضات سياسية بيننا والحكومة، ولقد حضرنا بدعوة من الآلية رفيعة المستوي لمقابلة الرئيس أمبيكي وليس أي جهة أخرى، وعرمان بذلك أدعي أن الدعوة من الآلية رفيعة المستوي قدمت لقطاع الشمال ولم تقدم للطرف الآخر وهو وفد الحكومة السودانية في إشارة إلي أن الحكومة تسعي لتفاوضه، ويمضي عرمان بقوله نستغرب هذه المحبة التي طفت على سطح المؤتمر الوطني للحركة الشعبية في الشمال وإذا عرف السبب بطل العجب (ومن الحب ما قتل). وبهذه العبارات العنيفة بدأ عرمان يلوح بكرت الضغط الأمريكي بعد أن جعل قطاع الشمال بموجب القرار (2046) جزءاً من المفاوضات بين الدولتين، والسؤال الذي صعد إلي الأذهان رسالة قطاع الشمال التي أرادها أن تصل للحكومة من خلال العنف اللفظي؟ بحسب المصادر في أديس أبابا فإن قطاع الشمال استخدم مع وفد الحكومة لغة ساخرة وأن عرمان وعقار قالا (الابيتو حلو تدورو فطيس). على الجانب الآخر وصف المؤتمر الوطني تصريحات عرمان بالمتناقضة والمضللة للاستفادة من المساعدات الإنسانية في إزكاء أوار الحرب وسفك الدماء بجنوب كردفان والنيل الأزرق. من جانبهم اتفق المحللون السياسيون أن تصريح عرمان جاء نتيجة خطا الحكومة السودان في مفاوضات قطاع الشمال بأديس أبابا إلي جانب دولة الجنوب.. المحلل السياسي د. عبده مختار قال: إن ياسر عرمان رئيس وفد التفاوض لقطاع الشمال هو كمن دخل السياسة بالصدفة ولا يجيد التخاطب، ووصف مختار عرمان بالمهرج وغير المحنك سياسياً، وأضاف عرمان لا زال يستخدم أساليب أركان النقاش متأثراً بالحياة الطلابية مشيراً إلي أن عرمان ظل يتناول القضايا الكبيرة بسطحية، وقال عرمان يسعي للمجد من خلال المعارضة وتبني خط جهوي يستند إلي تيار يفترض أنه لا وجود له بعد انفصال الجنوب. وأشار مختار إلي أن الحكومة أخطأت في التعامل مع قطاع الشمال عندما وافقت على استمرارهم كامتداد لحكومة الجنوب بالسودان، قائلاً إن التفاوض مع قطاع الشمال أصبح واقعاً بموجب القرار (2046) وإن الحكومة وصلت لهذا الوضع بهذا السيناريو، وأضاف عليها أن تتعامل بواقعية وتركيز على الموضوعات الأساسية، وطالب مختار الحكومة السودانية بالتعامل بالحكمة مع قطاع الشمال، قائلاً على الحكومة ان لا تتعامل مع هذا الشخص المنفعل وهذا الاستعلاء بنفس ردة الفعل وأن تجنب السودان العقوبات مع اقتراب الثاني من أغسطس. ويري المحلل السياسي الأكاديمي د. جمال رستم أن الظهور الجديد لقطاع الشمال يعد فرصة العمر التي أعطاها إياه مجلس الأمن بموجب القرار 2046 والذي جعل الحركة الشعبية قطاع الشمال تصعد إلى المسرح السياسي من جديد في خطوة تعبر عن قمة ازدواجية المعايير لمجلس الأمن في التعامل مع السودان ودولة جنوب السودان على حد قول رستم، والذي تساءل لماذا لم يلزم مجلس الأمن حكومة جنوب السودان بالجلوس مع متمردي الجنوب المعارضين لنظام الحركة الشعبية، وعزا رستم نبرة الاستعلاء لقطاع الشمال إلي أن اللقاء بينه والحكومة السودانية تم بموجب الضغط على الحكومة وأتي قطاع الشمال عبر نافذة أتاحها له القرار(2046)، واصفاً مفاوضات الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال بأديس (بلقاء المضغوط والمحفز المدعوم). وأشار رستم إلي أن تصريحات عرمان يمكن النظر إليها من خلال أمرين مهمين الأول هو اجتماع واشنطن الأخير وقرار مجلس الأمن (2046) فهي تمثل المرتكزات والخلفيات، وقال إن ما يقوم به عرمان من تصريحات وملاسنات ومواجهات ما هو إلا سيناريو معد بطرقة (ماكرة وحاذقة) تلعب في تأقلم تام وانسجام مع مفاوضات حكومة الجنوب مع السودان وإستراتيجية الغرب خاصة امريكا وإسرائيل فهو مثلث ترتيب تفاوض في مواجهة حكومة السودان و(اللعبة واضحة) على حد قول رستم، وأشار رستم إلي أن حدث عرمان يمكن تفسيره بوجوه كثيرة أولها أن يقصد استفزاز حكومة السودان (الوفد المفاوض) وما يؤكد ذلك قوله (من الحب ما قتل)، وفي محاولة لخلق توترات أراد أن تصب في مصلحة حكومة جنوب السودان على طاولة المفاوضات. واتفق رستم مع مختار في أن الحكومة السودانية قد أخطأت بقبولها مفاوضة قطاع الشمال بأديس أبابا أثناء تفاوضها مع دولة الجنوب، وأضاف رستم أن التأخير في المفاوضات مع دولة جنوب السودان وإن كانت الأخيرة سبباً فيه هو الخطأ الذي وقعت فيه حكومة السودان، مشيراً إلي انه في حالة فشل المفاوضات فإن دولة جنوب السودان تستثمر ذلك لصالحها وذلك يعني مزايداً من سوء الأوضاع الداخلية في السودان، وقال رستم إن الحكومة السودانية الآن تخوض مبارتين في وقت واحد يحاول فيها فريق عرمان إظهار القوة بالإدلاء بهذه التصريحات، وفي الوقت الذي أتي فيه عرمان مكلفاً بتنفيذ مقررات وسياسات اجتماع واشنطن والتي هي بالتأكيد ضد حكومة السودان بعد إن فشل عرمان ورفاقه في تحقيق أجندتهم بقوة السلاح. نقلاً عن صحيفة آخر لحظة 30/7/20121م