قضية الفساد الكبير بجنوب السودان المتعلقة بصفقة الجنوب التي بلغت الأموال المنهوبة فيها (7,2) مليار دولار التي كشف عنها مؤخرا قضية خطيرة للغاية, ويمكن إن تعصف بحكومة الجنوب والحركة الشعبية, إذا تتبع الناس جميعا خيوطها وتفاصيلها, ووقفوا علي حجم الجريمة التي ارتكبت وتركبت كل يوم في حق المواطن الجنوبي البسيط, وقد تسترت الحركة الشعبية وحكومة الجنوب, طويلا علي أخطر ملفات الفساد وأكثرها تأثيرا منذ 2008م وربما قبلها ولم تخرج للعلن إلا بعد تكشفت أركانها وبانت للناس وفاحت رائحة الفضائح. وتقول القصة حسب ما جاء علي لسان السيد ديفيد دينق أثوربي, وزير مالية حكومة جنوب السودان, كما نشرتها الصحف وتناولتها وكالات الإنباء, أن عقودا مختلفة بمئات الملايين من الدولارات وصلت إلي 7,2 بليون دولار, تم توقيعها لشراء ذرة وحبوب (ذرة شامية) وتخزينها لمواجهة شبح المجاعة الذي كان يختم علي الجنوب, إذ يتعرض ما يزيد عن مليون ونصف مواطن جنوبي كما تقول تقارير الأممالمتحدة لخطر الجوع نسبة لشح الإمطار وانعدام الغذاء. وقامت حكومة الجنوب عبر وزارة المالية التي كان عليها الوزير الأسبق كول ايثانق بتوقيع العقودات, ولم يبلغ الوزير الأسبق برلمان الجنوب بحجم المشتريات التي تعاقد عليها وصدرت بموجبها العقود, ولم تتسلم حكومة جنوب السودان إلا النذر القليل جدا, وتوجد عقود قيمتها (200) مليون دولار هي فقط ما تمكنت حكومة الجنوب من دفعها لبعض التجار للوفاء بالتزامات توريد حبوب الذرة الشامية والذرة البيضاء. وحتي هذه المائتي مليون دولار التي دفعت للتجار لم يتمكن أعضاء لجنة التحقيق التي كونت لهذا الغرض ولا موظفو وزارة المالية بالجنوب, من العثور علي مستندات وسجلات وأوراق كاملة حول هذه العقود والتجار الذين تم التعامل معهم لاستيرادها ولا أية معلومات حول ما إذا كانت الكميات المطلوبة من الجنوب قد سلمت بالفعل..!! ويقول وزير مالية حكومة الجنوب ديفيد أتوربي إن التحقيق الذي يجري ألان كشف عن سوء إدارة وفساد كبير, خلال عام واحد هو (2008م) لأن جملة العقودات في هذا العام فقط وصلت إلي (7,2مليار دولار) ولا يوجد لحكومة الجنوب مثل هذا المبلغ ولا اعتمادات مالية كافية لتغطية قيمة العقود المبرمة, حيث تبلغ ميزانية حكومة الجنوب السنوية حوالي (2,1) مليار دولار وكلها من عائدات قسمة الموارد النفطية المخصصة للجنوب. هذه القضية,يجب أن لا تمر مرور الكرام, فهناك العديد من الشركات ورجال الأعمال والمستثمرين الأجانب, وبعض التجار من الشماليين يوجدون في جوبا ومدن جنوب السودان, وفي عواصم افريقية مجاورة للجنوب, يحملون أو بالفعل وقعوا علي عقودات استثمارية في مختلف المجالات دون ن يجدوا حتي الآن جدية واضحة في تنفيذ هذه العقودات ويشوب الفساد حركات وسكنات حكومة جنوب السودان, بفعل التردي المريع في الكفاءة الإدارية وقلة الخبرة والبيئة الملائمة لفساد المسؤولين, لكن المحير حقا أن تسقط حكومة الجنوب في اختيار توفير الغذاء لمواطنيها الذين حصدتهم بنادق الجيش الشعبي, والاقتتال القبلي, ثم فتك بهم الجوع والمسغبة, ومن غير المنظور ألان, أن تجد هذه الحكومة حلا يخرجها من شبكة الفساد الحكومي, ومن بركات المجاعة الذي تناثرت حممه في كل ولايات الجنوب. إذا كانت تقارير الأممالمتحدة ومنظماتها, وخاصة اليونسيف وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية, تتحدث عن الأوضاع الغذائية والصحية والمجاعة في الجنوب, فإنها تقفز إلي ما هو أهم من ذلك عندما تشير إلي ذلك بنسب كبيرة ومخيفة تتجاوز المعقول والمقبول, فتراجع الخدمات الصحية مثلا والعناية الصحية بالأطفال تراجع إلي نسبة تزيد عن المعدلات الدولية في الاتجاه العكسي ب (15%) ولا توجد ميزانيات كافية لدي حكومة الجنوب لصحة الأمومة والطفولة, وترتفع نسبة الوفيات إلي معدلات كبيرة بين الأطفال والنساء, وتزداد أعداد التلاميذ الذين لا يحصلون علي فرص التعليم الأساس, ويواجهون خطر التجنيد القسري في الجيش الشعبي أو التسرب إلي عالم الجريمة والتشرد. كل ذلك والجيش الشعبي يلتهم الميزانية والأموال التي تتدفق علي الجنوب, يأخذ (60%) من ميزانية حكومة جنوب السودان, وتذهب بقية الأموال إلي جنوب المفسدين من قيادات الحركة الشعبية وكبار الضباط, وتكتنز الحسابات المصرفية في الخارج, والتحويلات المالية للدول الغربية وأستراليا والجوع يزحف في الجنوب.. والفقر يدمر المواطنين والمرض يفتك بهم مثله مثل رصاص الجيش الشعبي. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 4/11/2009م