بعد انفصال الجنوب منتصف العام الماضي أدار المجتمع الدولي ظهره لحركات دارفور المسلحة واظهر الغرب تعاطفاً غير محمد مع الدولة الوليدة في المقابل انكفأت الخرطوم علي معالجة أزمة دارفور وشهدت قطر مع إعلان ميلاد دولة جنوب السودان توقيع وثيقة اتفاق الدوحة للسلام بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة بقيادة د. التجاني السيسي .. وجد الاتفاق ترحيباً وتجاوباً غير محدود من قبل المجتمع المدني والنازحين في الإقليم وسعت أطراف الاتفاق مع الوسيط القطري لإنفاذ الاتفاق علي الأرض لكن الاتفاق واجهته منذ البداية مسألة التمويل والاعتمادات المالية التي يفترض أن يدفعها المركز لإنفاذ أجندة أساسية في الوثيقة، فقد شكا رئيس السلطة الانتقالية د.السيسي كثيراً من بطء انسياب المالية المخصصة للسلطة وفقاً للاتفاق غير أن الحكومة اعتبرت شكوي السلطة أمر عادي شأن كل المؤسسات والوزارات في الدولة. أقرت بعثة اليوناميد المعنية بحفظ السلام في الإقليم بتحسن الأوضاع الأمنية والإنسانية في دارفور خلال الأعوام الأخيرة فقد صرح إبراهيم قمباري رئيس بعثة اليوناميد الأسبوع الماضي بأن الإقليم أصبح قريب من حالة استدامة السلام إلا أن قمباري اعترف أيضاً بأن الطريق ما زال وعراً وبعيداً أمام استدامة السلام في الإقليم المنكوب، ويري مراقبون أن التحدي الذي يواجه استدامة السلام في الإقليم المنكوب هو وجود الحركات غير الموقعة علي وثيقة الدوحة علي بقية الأطراف ومقدرتها العسكرية المحدودة علي زعزعة الاستقرار وإعاقة جهود الحكومة والمانحين في برامج إعادة التوطين والعودة الطوعية للنازحين فقد تحولت حركة العدل والمساواة بعد مقتل قائدها د.خليل إبراهيم لحركة جوالة تعمل علي زعزعة الاستقرار والأمن علي أطراف الإقليم وتتحاشي في ذات الوقت الاصطدام بالقوات المسلحة. في المقابل تنشط حركات اركو مناوي وعبد الواحد محمد نور ومجموعات منشقة من الحركتين ضمن الجبهة الثورية التي تضم أيضاً الحركة الشعبية قطاع الشمال في القتال ضد الحكومة علي الحدود مع دولة الجنوب ومناطق جنوب كردفان المتاخمة لحدود الجنوب، لكن مقدرة الحركات الدارفورية لا سيما التي تعمل تحت مظلة قطاع الشمال علي فرض واقع معين علي الأرض،. باحتلال لنقاط ارتكاز تساعد علي التوسع واحتلال مناطق أخري ستظل محدودة لأنها تعمل كعصابات متجولة ولا تستطيع توفير الدعم اللوجستي والعسكري لقواتها في أي وقت ويرتبط تحركها ووجودها علي الحدود أو داخل دولة جنوب السودان بالترتيبات الأمنية والاتفاق علي الملف الأمني بين دولتي شمال وجنوب السودان، وفي حال توصل الطرفين لاتفاق علي الملفات الأمنية سيشمل ذلك بالضرورة وجود الحركات المعارضة علي حدود كلا الدولتين بالنتيجة سيقل هامش المناورة والتحرك العسكري والدعم اللوجستي المتدفق للحركات عبر البوابة الجنوبية وسيصبح الاتجاه لطاولة التفاوض أو الانضمام للاتفاقيات المعلنة خياراً لابد للحركات المتمردة من التعاطي معه أو مواجهة الجيش في معارك كسر العظم التي لن تبقي علي أي حركة في الإقليم. الأحداث التي تعصف بالأمن والسلم الأهلي لن تتوقف علي المدي القصير الآن الإقليم ما زال في مرحلة الاقلاع نحو السلام الدائم وستظل أحداثاً كالتي شهدتها نيالا وكتم قابلة للحدوث في مدن ومناطق أخري ويري مراقبون أن توصل الحكومة لاتفاق مع الجنوب علي المدي الطويل سيحد من قدرة الحركات علي زعزعة الأمن في دارفور وإذا تمكنت الحكومة من التقدم في إنفاذ وثيقة اتفاق الدوحة بجدية فإن خيارات استدامة السلام في الإقليم ستصبح ممكنة لان المجتمع الدولي سيضغط علي الحركات التي تمثل التهديد الأساسي للأمن في الإقليم.