أقرَّ حزب الأمة القومي المعارض بزعامة السيد الصادق المهدي بوجود صراعات وخلافات حادة داخل مكتبه السياسي والهيئة المركزية للحزب بشأن تسمية الأمانات المختلفة. وقال الدكتور حسن إمام عضو المكتب السياسي للحزب ان هذه الصراعات والخلافات ظلت تلازم الحزب منذ مؤتمره العام السابع مطلع العام الجاري. وأبانَ إمام إن وجود تيارات معارضة للأمين العام للحزب أعاقت تسمية الشخصيات التى تتولي الأمانات. وعلى الرغم من أن إمام أرجع هذه الخلافات الى ما أسماها مؤسسية وديمقراطية داخل الحزب؛ إلاّ ان العديد من المراقبين يعتقدون ان الأمر أعقد من ذلك بكثير معتبرين أن الممارسة الديمقراطية الحقة والمؤسسية من المستحيل تماماً ان تقود الى خلافات حادة تمتد الى ما يجاوز السبعة أشهر دون إمكانية حلها، وإنما العكس صحيح فيما يبدو إذ أن غياب الديمقراطية والمؤسسية ربما كانت هى السبب الرئيس فى تدهور الاوضاع داخل قيادة الحزب. غير ان الغريب فى كل هذا الوضع المتأزِّم الذى يعيشه حزب الامة القومي للدرجة التى يصنِّف فيها العديد من المراقبين بما في ذلك قادة الحزب نفسه، الحزب الى ثلاثة تيارات متباينة أنه لم يجد حرجاً مع كل أزمته المتطاولة هذه فى محاولة عقد التحالفات المشبوهة والدخول فى إتفاقات مع حركات مسلحة كما فعل الحزب بتوقيعه على مذكرة تفاهم مثيرة للإستغراب مع حركة ميناوي مؤخراً. ومكمن الغرابة هنا ليست فقط فى عدم مبالاة الحزب بما قد يترتّب على عقد تحالف مع حركة مسلحة تحارب السلطة الحاكمة بما قد يهدِّد شرعية الحزب نفسه وقانونيته بإعتبار ان قانون الاحزاب السودانية 2009 يحظر مثل هذه الانشطة ويمنع ممارسة الاحزب لأنشطة مسلحة؛ ولكن الغرابة الأكبر فى أن الحزب لم يضع فى حساباته ان مثل هذه الخطوة قد تعمق من خلافات قادته على مستوي مكتبه السياسي وهيئته المركزية، ذلك أن أية خلافات تنظيمية أياً كانت أسبابها من شأن أىّ خطوة سياسية يتخذها الحزب أن تمثل إضافة جديدة للخلاف، إذ من الطبيعي ان يستثمر فرقاء الحزب الخطوة الجديدة فى تغذية الصراع وإستخدامه كعنصر فيه، وبالتالي يكون التساؤل عن جدوي الخطوة من أساسها مشروعاً، لأنّ الحزب فى هذه الحالة أضاف عبئاً سياسياً جديداً على العبء الموجود بغير أىّ داعٍ، ودون أدني جدوي. ويُستخلص من كل ذلك ان أوضح مبرر أو دافع ربما دفع الحزب لهذه الخطوة شعوره بالعجز التام على صعيدين؛ أولهما على صعيد وجوده فى الساحة السياسية حيث فشل الحزب فى تحديد موقفه بوضوح، هل هو على مقاعد السلطة أم على مقاعد المعارضة، وهو ما كلّفه كثيراً على جانب المعارضة التى فقدت الثقة فيه تماماً وتركته وهو يهوي من شاهق ليضرب رأسه بالصخر. وكلّفه كثيراً جداً على جانب الحكومة التى بادرت بمهاجمته هجوماً شاملاً، خاصة بعد توقعيه على مذكرة تحالفه مع ميناوي عبر مؤتمر صحفي مشهود عقده نائب الرئيس السوداني الدكتور الحاج آدم وجّه فيه هجوماً عنيفاً اثار إرتعاد أوصاله. ثانيهما صعيده الداخلي، ونعني هيكله التنظيمي، فقد فشل الحزب على مدي ما يجاوز السبعة اشهر كما رأينا فى معالجة خلافات مكتبه السياسي رغم ان الحزب يفاخر بأن لديه مؤسسية وديمقراطية! فلو كان صحيحاً ان الديمقراطية والمؤسسية متوافرة فى الحزب ولو بنسبة 1% لأمكن وضع حلول لهذه الخلافات لأنّ الديمقراطية وحدها هى حاسمة الخلافات . إن شعور الامة القومي بالعجز حيال هذين الصعيدين هو الذى دفعه بتفجير الموقف وتوقعيه مذكرة التفاهم والسعي لعقد لقاء جامع – ثبت إستحالته – مع كافة الحركات المسلحة! وكأنّي بالأمة القومي وقد فشل فى الجري، يريد ان يقفز ضد الجاذبية الارضية ليقنع نفسه أنه قادر على الطيران!