حدثان وقعا في يوم واحد – بالمصادفة – احدهما في أمريكا والثاني في الكيان الإسرائيلي. الحدثان كانا بمثابة رسالة واحدة إلى العالم.. هي رسالة همجية بكل معنى الكلمة. لنتأمل الحدثين. الحدث الأول، يتعلق بجريمة سبق ان شاهدها العالم كله حين نشرت صور لثلاثة ضباط أمريكيين في أفغانستان وهم يتبولون فوق جثث افغان بعد ان قاموا بقتلهم, وهم يبتسمون. الجيش الأمريكي اعلن انه سوف يتم فقط «اتخاذ إجراءات إدارية» ضد هؤلاء الضباط. أي ان الجيش الأمريكي لم يجد أي شيء يوجب ادانتهم, او حتى يقتضي تقديمهم الى المحاكمة. بعبارة أخرى, الجيش الأمريكي لم يعتبر ان هؤلاء ارتكبوا أي جريمة من أي نوع, ولهذا يعتبر هذا القرار بمثابة تبرئة لساحتهم تماما. حدث هذا على الرغم من ان هؤلاء الضباط سبق ان اعترفوا بانهم تعمدوا ارتكاب هذه الجريمة, ولم يكتفوا بهذا, بل قاموا بنشر هذه الصور على الانترنت. وحدث هذا على الرغم من ان الجريمة حين نشرت هذه الصور اثارت غضبا عارما في العالم, ولدى الشعب الأفغاني خصوصا بطبيعة الحال. ويومها, قال قادة الجيش الأمريكي انهم مصدومون مما جرى, وان هذه ليست من قيم الجيش الأمريكي, وانهم سوف ينزلون اشد العقاب بهؤلاء الضباط. وهذا هو العقاب الذي انزلوه بهم .. قاموا بتبرئتهم. ماذا يعني هذا الذي فعله الجيش الأمريكي؟ ليس الأمر بحاجة إلى أي اعمال للفكر. تبرئة هؤلاء والتعامل مع جريمتهم على هذا النحو معناه ان كرامة الانسان وابسط حقوقه, في أفغانستان او في أي مكان, ليس لها معنى او قيمة على الاطلاق في عرف الجيش الأمريكي جنودا وقادة. معناه ان هذا الانتهاك الفظ ليس فقط لحقوق الانسان بل لآدميته, هو في حقيقة قيمة لدى الجيش الأمريكي, وسلوك لا يجد فيه قادة الجيش ما يشين او يدعو للخجل. معناه انه حتى مشاعر الشعب الأفغاني المسلم الذي روعته هذه المشاهد الإجرامية, ليس لها لدى الجيش الأمريكي وقادته أي قيمة ولا تستحق حتى مجرد الالتفات اليها. الحدث الثاني, الذي وقع في نفس اليوم الذي اتخذ فيه الجيش الأمريكي هذا القرار بشأن الجريمة, هو ان محكمة إسرائيلية, حكمت بتبرئة ساحة جيش العدو الإسرائيلي من جريمة قتل الناشطة الأمريكية راشيل كوري, وهي الجريمة التي شاهدها العالم كله في عام 2003, حين داستها جرافة إسرائيلية وقتلتها عن عمد تام أمام العالم كله. المحكمة الإسرائيلية اعتبرت ان جيش العدو لا يتحمل أي مسئولية, وان جريمة القتل هذه, كانت مجرد حادث, وان القتيلة هي التي سببت الحادث لنفسها. بالطبع, ليس فيما قررته المحكمة الإسرائيلية أي شيء غريب غير متوقع. فالكيان الإسرائيلي كيان ارهابي, قادته وجيشه وساسته كلهم مجرمو حرب وابادة. جرائم الحرب والابادة بالنسبة اليهم سلوك عادي يرتكبونه يوميا. وتبرئة جيش العدو من هذه الجريمة الوحشية, جريمة قتل الناشطة كوري هي صفعة على وجه أمريكا أولا, وعلى وجه العالم كله ثانيا. أمريكا التي اغتيلت مواطنة من مواطنيها بهذا الشكل الإرهابي لم تجرؤ في أي يوم من الأيام على إدانة الجريمة. وحين صدر هذا الحكم الذي يعتبر كما قال الكثيرون بمثابة اغتيال للمرة الثانية لكوري, لم تجرؤ المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية حين سئلت على ان تدلي بأي تعليق. وبالنسبة للعالم, هذا الحكم الإسرائيلي هو اغتيال لكل قيمة انسانية ولكل معنى من معاني حقوق الانسان. على ان اخطر ما في الحالتين, ان ما فعله الجيش الأمريكي, وما فعلته المحكمة الإسرائيلية, يوجهان رسالة واحدة. ما فعله الجيش الأمريكي هو رسالة مباشرة إلى قوات الجيش الأمريكي في أفغانستان وفي أي مكان, بانهم احرار تماما في ان يرتكبوا أي جرائم يشاؤون, وبانهم مهما ارتكبوا من جرائم فلن يحاسبوا او حتى يلاموا. وهي نفس الرسالة التي يحملها حكم المحكمة الإسرائيلية.. هي رسالة إلى قادة العدو وجيشه ايضا بان كل ما يرتكبونه من ارهاب ومن جرائم حرب وابادة ضد الشعب الفلسطيني وضد من يتعاطفون معه ويدافعون عنه, هو امر عادي ومقبول ولهم ان يفعلوا ما يشاؤون. هل هناك توصيف آخر لهذه الرسالة, سوى انها رسالة همجية من همج إلى العالم كله. المصدر: أخبار الخليج 30/8/2012م