قال الدكتور لوكا بيونق مسئول ملف أبيي فى الحكومة الجنوبية إن بلاده مستعدة للتوسط بين الحكومة السودانية وقطاع الشمال؛ مشيراً الى ان قادة قطاع الشمال (تعبوا من الحرب)! على حد وصفه. وربما كانت هذه هى المرة الاولي التى يعلن فيها مسئول جنوبي - منذ قيام الدولة الجنوبية - إستعداد بلاده للتوسط ما بين الحكومة السودانية وما يسمي بقطاع الشمال وهو موقف يمكن توصيفه سياسياً بأنه (توسط ما بين الحركة الشعبية ونفسها)! إذ أن الدكتور بيونق ومهما كانت درجة مصداقيته السياسية يدرك دون شك علاقة ما يسمي بقطاع الشمال بحكومة جنوب السودان بحيث يستحيل القول ان الرجل يتحدث بهذه الدرجة من البراءة السياسية. غير أن المهم فيما قاله د. لوكا هو أن ما يسمي بقطاع الشمال تعب بالفعل من الحرب. فهذا التعبير المستحدث يشي بالكثير، وهو غنيّ بالعديد من الحقائق إذ المعروف ان القطاع ظل يحارب فقط منذ سنتين – منذ إنتخابات العام 2010م حين إنقلب الحلو في جنوب كردفان على نتيجة الانتخابات ولم يتحمّل فشله الذريع. تلك كانت نقطة البداية فى الحرب وتبعه بعدها عقار فى النيل الازرق بعد أشهر قلائل ومن النادر جداً ان يشعر (مناضل سياسي) بالتعب من الحرب فقط بعد عامين أو أقل من إشعاله لها؛ خاصة وأننا نعلم ان الحركة الشعبية الحاكمة فى جنوب السودان خاضت الحرب لما يربو على العقدين من الزمان، ثم تعبت بعد ذلك وجنحت للسلم! فهل نعتبر قطاع الشمال وهو الوليد الشرعي للحركة الشعبية الحاكمة فى جنوب السودان لاقي من الأهوال بما يعادل العام الواحد عنده عقداً كاملاً ومن ثم تعب وبات يبحث عن السلام؟ أم ان الحركة الشعبية الحاكمة فى دولة الجنوب - بإعتبارها الراعي الرسمي للقطاع - تعبت هى فى الواقع بحيث بدا لها أن ما تحمّلته هى في عقدين من الزمان فى السابق لم تعد تحتمِله فى عامين فى الوقت الراهن؟ من المؤكد أن د. لوكا بيونق -فى هذا التصريح النادر- كان قد ترك العنان لدخيلة نفسه وعقله الباطن ليكشف الحقيقة المفجعة لحرب أشعلتها جوبا دون أدني تقدير لنتائجها وأصبحت وبالاً عليها بعد عامين فقط من إشعالها. لقد كان هذا التصريح بمثابة إقرار ضمني بأن إشعال الحرب فى المنطقتين – تحت داعي نصرة قطاع الشمال وعدم نسيان منسوبي القطاع ورفاق الحركة القدامي – كان خطأً إستراتيبجياً قاتلاً تجرّعته الحركة الشعبية الحاكمة فى جوبا مثل السُم الزعاف الذى سري فى أوصالها وشعرت بخدره المميت بعد فوات الأوان! ما من شك أن ما يسمي بقطاع الشمال بدأ يخرج خارج حسابات القادة الجنوبيين فهو وكما قلنا مراراً بدا مثل الحمولة الزائدة التى سوف تضطر جوبا للتخلص منها عاجلاً أم آجلاً اذا أرادت لمركبها المتهادي بين أمواج الأزمات المتفاقمة ان يصل الى بر الامان . ولعل هذا التصريح المتزامن مع قرب إنطلاقة المفاوضات بين الحكومة السودانية والقطاع هذا الاسبوع يعطي مؤشراً واضحاً على أن جوبا بدأت بالفعل فى عرض القطاع (للبيع)! فهو أصلاً لم يكن فى يوم ن الايام سوي ورقة احتفظت بها جوبا لأغراض خاصة بها، وجرّبت استخدامه كمخلب قط ولكن الخطة لم تنجح ولم تحقق ما كان مرجواً، وقد زادت أعباء الحكومة الجنوبية وتعقدت قضاياها وخلافاتها، وأدركت ان الخرطوم أقوي من أن تهتزّ لمجرد تحريك آليات ثقيلة ومدافع على حدودها فى جنوب كردفان والنيل الازرق من قبيل دولة وليدة. جوبا دائماً تنسي ما جري بين اثيوبيا وأرتريا وتنسي إستحالة تغلب الدولة الإبنة على الدولة الأم ؛ أما قادة القطاع فهم لم يتعبوا من الحرب لأنهم يقبضون ثمنها مقدماً، لكنهم فى الواقع تعبوا من طول الانتظار وطول المناورات ومخاطر الإنسياق وراء الرؤية السياسية الجنوبية المتذبذبة.. وتعبوا من الهرب!