لم تكن المواجهات التى إستطاعت القوات الإثيوبية كبح جماحها فى منطقة أبيي الأسبوع الماضي بعيدة عن حادثة إغتيال رئيس برلمان ولاية جنوب كردفان ابراهيم بلندية ورفاقه ال7 ، ومن ثم ليست بعيدة أيضاً عن المناخ العام الذى حاولت الحركة الشعبية الحاكمة فى جنوب السودان الإصطياد فيه أملاً فى زحزحة الحكومة السودانية عن مقعد السلطة، أو على الأقل إضعافها الى أقل حد حتى تحصل على مبتغاها فى المفاوضات الخاصة بالقضايا الخلافية العالقة. إذ من المعروف لدي كافة المراقبين ان جوبا تلعب بورق مكشوف ضد الخرطوم بغية تغيير النظام الحاكم. وتراهن –صراحة– على الآثار الاقتصادية السالبة الناجمة عن وقف ضخ النفط، وتود من بعض قوى المعارضة المتحالفة معها سراً داخل السودان أن تعمل على تهييج الشارع السوداني، وتستغل الحركة الشعبية من جانبها هذه التهييج لتشعل هى الحدود والمناطق المتاخمة لها. لقد جاءت حادثة المواجهات بين دينكا نقوك والمسيرية فى أبيي، بعد ساعات - (72) ساعة أو أقل - من حادثة إغتيال بلندية وكان الهدف فيما يبدو إضفاء مناخ فوضي فى كافة أرجاء المنطقة تحت زعم أن السودان يعيش حالة عدم استقرار ناتجة عن الاجراءات الاقتصادية التى إتخذتها الحكومة لتسوية الموازنة العامة للدولة. وبالنسبة لأبيي فقد كانت الحركة الشعبية تحاول إشعال (معركة داخلية) بين دينكا نقوك والمسيرية تسيل فيها الدماء غزيرة حتى يتدخل الجيش الشعبي بذريعة حماية الدينكا، ومن ثم يستغل السانحة لوضع يده على المنطقة. كان واضحاً أن مشوار التفاوض بالنسبة للحكومة الجنوبية مشوار طويل، وقد عملت على عرقلته في أكثر من جولة ولم يعد مجدياً الانتظار أكثر. الحادثتين -بلندية وأبيي- هما بمقياس واحد، وبهدف مزدوج، إشاعة الفوضي، وفى نفس الوقت إلحاق خسائر بشرية وسياسية ضد الخصم. الحادثتين أيضاً تمثلان إسناداً للمجموعات المتمردة، ترفعان من روحها المعنوية، فقد فشلت مجموعة الحلو ومجموعة عقار وكل مكونات ما يسمي بالجبهة الثورية فى إحداث أىّ إختراق حتى ولو كان على هيئة فرقعة إعلامية داوية فقط. كل الخطط والمحاولات العسكرية والسياسية لما يسمي بالثورية فشلت وبدأت قضية هؤلاء المتمردين فى الإنزواء والتراجع، وفقدت هذه المجموعات كل أشكال التعاطف السياسي محلياً إقليمياً. ولهذا كان من المحتّم أن يفشل تدبير الحركة، ففي حادثة بلندية وجدت الحادثة إستنكاراً واسع النطاق وغضب عارم من كافة قطاعات المواطنين والنخب السياسية فى المنطقة. وفى حادثة أبيي فقد أدركت القوات الاثيوبية المكلّفة بحفظ الأمن أن الحركة الشعبية (لها نوايا) لزعزعة إستقرار المنطقة، ولهذا فقد عملت -بمهارة نادرة وفق خبرتها الطويلة- على وضع تدابير تحول دون تكرار حوادث كهذه. وتشير متابعاتنا فى هذا الصدد الى انّ بعض أبناء أبيي فى الحركة وعلى وجه الخصوص (د. لوكا بيونق)، هم من تكفّلوا بتنفيذ مخطط إشعال أبيي. العقبة الوحيدة التى حالت دون إتمام كافة مراحل الخطة، يقظة ومهارة القوات الاثيوبية التى إستطاعت أن تقف فى اللحظة المناسبة كجدار عازل منعَ الإصطدام الدموي الكبير، ومن المؤكد أن كلٌ من د. لوكا بيونق ودينق ألور يمارسان ضغوطاً مكثفة ومستمرة على قيادة الحركة بضرورة حسم ملف نزاع أبيي، وسبق للدكتور لوكا، أن هدَّد بإشعال المنطقة وجعلها ساحة حرب إن لم تُحل المشكلة. وعلى أية حال فإن الحركة الشعبية الحاكمة فى دولة جنوب السودان تخطئ بإستمرار فى الحساب وتأتي تقديراتها والخطوات التى تخطوها شاذة وبعيدة عن أرض الواقع؛ إذ هل يُعقل -مهما كانت الظروف- أن تنجح الأحزاب السودانية المعارضة فى إشعال الشارع السوداني حتى تجد الحركة الشعبية نفسها وقد وجدت الطريق سالكاً الى داخل العمق السوداني لتنتزع أبيي وجنوب كردفان وتضعهما فى جيبها الخلفي وينتهي الأمر؟ أرأي أحدٌ منكم سذاجة بهذا القدر؟