أثار الظهور الذى إعتبره الكثير من المراقبين ظهوراً مفاجأً لنجل الزعيم الجنوبي الراحل قرنق إنتباهاً كبيراً حين خرج دي مابيور قرنق، الإبن الأكبر للراحل قرنق عن صمته وبدأ فى الحديث عن الشأن السياسي الجنوبي. وبالطبع لسنا معنيين هنا - مهما كنت تقديرات البعض - بما يمكن أن يفعله الشاب الجنوبي الذى لا بُد أن يكون طامحاً متطلعاً ولا بد من أن يُوضع فى الاعتبار ولكن من المهمّ ان نمعن النظر بقدر عالي من الاهتمام بتوقيت ظهور دي مابيور وإنتقاداته التى ساقها الى الحكومة الجنوبية، ففي الغالب، يبدو أن واشنطن ترمي الى شيء ما، فهي ليست بعيدة تماماً عن اللعبة إن لم تكن هي الممسكة بكل خيوطها. هنالك دائماً حقيبة خاصة يضعها الأمريكيون وراء ظهورهم لإستخدامها فى حالات الطوارئ. وهنالك دائماً (مفاتيح) وأدوات عمل بديلة توضع فى الحقيبة الخلفية لأغراض قد لا تخطر على بال. وليس سراً فى هذا الصدد ان واشنطن بدأت تضيق بالاوضاع فى الدولة الجنوبية الوليدة، ليس فقط لعمليات الفساد المهولة التى وثقتها بعناية عقب إيفادها للمستشار (داغني) الذى لم يجد بُداً فى النهاية من الفرار والهرب من جوبا عائداً الي واشنطن. وليس أيضاً فقط للطريقة (غير الذكية) التى تدير بها القيادة الجنوبية الحالية شئونها مع جارها السودان بحيث تضطر واشنطن فى كل مرة للتدخل بطريقة لا تناسبها لإستعدال الملعب وإعادة ترتيب خانات اللاعبين. هناك مسلسل مطول من المآخذ التى تأخذها واشنطن على جوبا ولا تلقي لها جوبا بالاً، فالدولة الوليدة ليس من المنظور أن تمتلك جهازاً إدارياً بيروقراطياً ولو فى حدِّه الأدني لإدارة قضايا البلاد اليومية والخدمات الأساسية إذ أن الشغل الشاغل للقادة الجنوبيين هو قضاياهم الخلافية مع الخرطوم وتدخلهم فى الشأن السوداني الداخلي بسفور شديد دون أدني جدوي سياسية. ولم يكن الرئيس الامريكي أوباما مغالياً حين طلب من الرئيس كير – أكثر من مرة – الكف عن دعم المتمردين ضد الحكومة السودانية، فواشنطن حتى لو لم تكن حريصة على سلامة واستقرار السودان وبقاء حكومته من عدمها؛ فهي على الاقل حريصة على استقرار الدولة الجنوبية الوليدة ولن يتحقق هذا الاستقرار للدولة الجنوبية إلا بإستقرار السودان. القادة الجنوبيين استعصي عليهم تماماً فهم هذه النقطة البالغة الدقة والخطورة وبات موقفهم هذا يؤرق واشنطن لأنه - ببساطة يتهدّد مصالحها فى دولة الجنوب - أو على الاقل يكلفها الكثير بغير داعٍ. من جانب ثاني فإن القادة الجنوبيين - لأسباب غير منطقية تماماً يساورهم شعور أنهم بمأمن عن الغضب الأمريكي، أو أنّ واشنطن تحبهم لسواد عيونهم، ولهذا لا يبالون كثيراً بما يفعلون، وهى فرضية خاطئة أشار اليها دبلوماسي أمريكي من أصول افريقية يعمل بسفارة بلاده فى دولة افريقية مجاورة، فقد قال لأحد القادة الجنوببين (إن من الخطأ الاعتقاد ان واشنطن دولة صديقة بالمعني الاجتماعي للصداقة)! ولكن يبدو أن أحداً لم يفهم المعني فى جوبا. وعلى أية حال فإن مجرد خروج دي مابيور الى الفضاء، وتحليقه فيه، يعني أنّ جوبا موعودة ولو بعد حين بما عمِلت على تجنُّبه نظرياً ولم تتبعه بعمل؛ فقد أعطت واشنطن مبررات كافية للبحث عن خيارات!