عملياً، لا شيء، حيث لا يوجد فى الواقع حالياً أىّ ميزة استراتيجية عادت لجوبا جرّاء إصرارها على أن تظل مرتبطة بقطاع الشمال. فلو قلنا ان جوبا كانت تستخدم هذا الارتباط كورقة ضغط للحصول على تنازلات سودانية على مائدة التفاوض فهذا فى الواقع لم يحدث البتة لسبب فى غاية البساطة، ان السودان لم يتح الفرصة لجوبا ومقاتلي القطاع فى المنطقتين بتشكيل تهديد جديّ لأمن السودان. فعلى ضراوة القتال الذى جري فى جنوب كردفان والنيل الازرق لما يجاوز العام، لم يستطع متمردو القطاع رغم كل ما تم دعمهم به جنوبياً من إختراق سياج الأمن القومي السوداني بإحتلال مدينة أو منطقة استراتيجية تصلح لمساومة أو تعطي المتمردين وضعاً سياسياً متميزاً، ومن المعروف ان هدف جوبا كان تمكين القطاع من تشكيل عنصر ضغط ثقيل على الحكومة السودانية حتى تضطر إضطراراً لعقد معاهدة معه على غرار معاهدة نيفاشا 2005 وتتحول المنطقتين الى جنوب جديد يحمل ذات جينات الجنوب الذى انفصل، ومن ثم يكون لجوبا حزام لاصق على طول الحدود، تجري فيه دماؤها وينبض فيه قلبها وتصبح بهذه المثابة (حاكمة) للشريط الحدودي المحادد لها نظرياً وعملياً. هذا لم يحدث، فقد أجهضت الحكومة السودانية هذا المسعي البائس منذ الوهلة الأولي واستطاعت ان تطرد مقاتلي القطاع الى الأطراف النائية غير الممكنة التحرك. إذن الورقة لم تجدِ نفعاً، ففي النهائية لم يكن هناك للقطاع من ميزة حصل عليها سوي النص الوارد فى القرار الدولي 2046، وهو نص حصل عليه مجاناً بإيعاز من السيدة (سوزان رايس) مندوبة واشنطن فى مجلس الأمن، ولم يحصل القطاع على حق التفاوض بكدح يده وعرق جبينه أو المدي الذى وصلت اليه مدافعه. ولعل خير دليل على صحة هذه الفرضية أن جوبا - وبيأس ظاهر - تخلّت عن إرتباطها بالقطاع بعدما أدركت عدم جدواه السياسية. والديل الأكثر سطوعاً على عدم جني جوبا أىّ ثمار لهذا الارتباط، الإلحاح الأمريكي المتواصل من الرئيس أوباما شخصياً عبر إتصالات هاتفية عديدة بالرئيس الجنوبي سلفا كير بضرورة فك هذا الارتباط. كان واضحاً للأمريكيين، وهم وثيقي الصلة بجوبا أن الارتباط ما من جدوي فيه ولو بنسبة 1% وهو ومجرد (حمولة زائدة) ينبغي التخلص منها. من جانب ثاني، فإن جوبا – طوال العامين الماضيين – لم يتسنَّ لها تنظيم القطاع وتقوية عضلاته وكان مرد ذلك الى ان القطاع بدا فى غاية الضعف والهزال فقد هُزِم الحلو فى جنوب كردفان منذ طلقته الأولي، وسرعان ما هزم أيضاً عقار فى النيل الازرق، وبدا الاثنان يتحولان الى (عبء سياسيى وأمني) ظاهر على الحكومة الجنوبية بحيث أدرك العالم بأسره أن ما تفعله جوبا عملية مفضوحة، واسلوب تدخُّل فى شأن داخلي لدولة أخري سافر وغير ذكي. وقد كلف جوبا هذا الوضع إهدار المزيد من الأموال بغية سرعة تمكين القائدين المنهزمين من إجتياح المنطقتين، وقد ظل كليهما، الحلو وعقار، يرسلان التهديدات تباعاً، ولكن بدون أىّ طحن! لقد ترتبت خسائراً فادحة على جوبا جعلتها – فوق الخسائر التى نجمت عن وقف ضخ النفط تميل الى فك الارتباط، وترضي من العملية بإيثارها السلامة.