أنجزت دولتا السودان وجنوب السودان بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا إتفاقاً مفصلياً مهماً لصالح استقرار ومستقبل الدولتين. الاتفاق الذى تم التوقيع عليه وسط حضور إقليمي ودولي وبعد طول ترقب وقلق عشية الخميس 27 سبتمبر 2012م جاء حاوياً لثلاثة مجموعات رئيسية من الاتفاقات تضمنت ثلاثة محاور أساسية. المحور الأول هو محور الترتيبات الأمنية وهو المتعلق بنزع السلاح والمناطق العازلة المنزوعة السلاح والمراقبة الحدودية وكل ما يتصل بأمن واستقرار الدولتين فى الملف الأمني. المحور الثاني هو محور القضايا المترتبة على عملية الإنفصال، أى قضايا ما بعد الانفصال ويشمل الترتيبات الإدارية والسياسية المتعلقة بالديون بين الدولتين وديون السودان ككل تجاه دول أخري وقضايا المعاشات والأمور المتصلة بالأصول الحكومية وأوضاع العاملين السابقين فى كل دولة حيال الدولة الأخري. أما المحور الثالث فهو محور التعاون المشترك بين الدولتين فى قضايا تهمّ موطنيهما وتهم مصالح الدولتين كقضايا التبادل التجاري وسهولة ومرونة التواصل الحدودي وإنسياب السلع وغيرها من الأمور التى يعود نفعها المتبادل لصالح الدولتين. هذه المحاور الثلاثة الأساسية أثمرت 9 إتفاقيات فى المجالات المعنية هى التى من المقرر أن يتم إتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذها على أرض الواقع بحيث يمكن القول إن هذه الاتفاقيات ال9 بمحاورها الرئيسية الثلاثة هى مجمل ما تم تأسيسه لترسيخ العلاقات الثنائية بين الجانبين فى كافة المجالات سعياً لجعل العلاقة بينهما علاقات جوار آمن وحسن جوار وتبادل منافع مشتركة. ولهذا فإن من الضروري هنا لبسط هذه الاتفاقيات على بساط البحث والتحليل أن نتناولها إجمالاً بغرض معرفة المدي الذى يمكن ان تؤدي اليه فى حفز الثقة وترسيخها بن الجابين، إذ من المقطوع به ان غياب عنصر الثقة بين البلدين منذ وقوع عملية الانفصال رسمياً فى التاسع من يوليو 2011 هو الذى تسبّب فى تأزيم الوضع ودخول الطرفين فى نزاع حاد كاد يصل في إحدي مراحله الى الحرب والمواجهة الشاملة. أولاً: الاتفاقيات ال9 شملت أمن البلدين سواء عبر عمليات مراقبة أو مناطق منزوعة السلاح، أو حظر أىّ أنشطة غير مشروعة لأيّ مجموعات مسلحة فى الحدود. وشملت أيضاً أوضاع وحركة مواطني الدولتين ثم التجارة ثم قضايا الحدود ثم الاقتصاد وقضايا الأصول الحكومية والمتأخرات والمعاشات والتعاون بين البنوك المركزية ثم النفط وسعر مروره وتصديره والأموال التى على دولة جنوب السودان دفعها للسودان فى هذا الصدد. كان واضحاً من تفاصيل هذه الاتفاقيات ان الجانبين غطّيا كافة القضايا المهمّة والضرورية لدفع علاقاتهما، اذ أنّ من شأن الأمن وحرية التنقل والتجارة المتبادلة وحلّ قضايا المعاشات والديون والبنوك المركزية والأصول الحكومية ومرونة الحركة على الحدود أن تعيد العلاقات الى ما أفضل مما كانت عليه. ثانياً: الاتفاقيات ال9 التزمت بإيلاء عناية خاصة بالملف الأمني، وهذا كان لُبّ الموقف السوداني، فقد جاءت التريبات الأمنية كمحور رئيسي فى مقدمة المحاور الرئيسية الثلاثة التى تم الاتفاق حولها، وهذا يشير الى اهتمام الطرفين وإدراكهما الكامل ان مضي عنصر الترتيبات الأمنية جنباً الى جنب مع هذه الإتفاقيات من شأنه توفير المناخ المناسب والصحيّ للعلاقات الثنائية. ثالثاً: من الواضح ان إرجاء قضيتيّ الحدود وأبيي لم يكن فقط بإستعصاء التوافق حول حلول واضحة ومنصفة للجانبين، ولكن لأنَّ من شأن إيلاء عناية سياسية خاصة للإتفاقيات ال9 الموقع عليها أن ترفع من معدل عنصر الثقة وتدعيم الاستقرار وتفتُّح قنوات التفاهم والاتصال المباشر السلس، وهو ما سوف يساعد دون شك فى مرحلة لاحقة بعد ثلاثة أشهر وفق ما تم الاتفاق عليه فى تسهيل التوصل لاتفاق بشأن قضايا الحدود وأبيي. فالاتفاقات الموقع عليها هى فى الواقع تبدو كأنها (فاتحة شهية) أو (عربون ثقة وصداقة) أُريد لها أن تعين الطرفان - لاحقاً - فى تجاوز الخلافات المتعلقة بالحدود ومنطقة أبيي. وعلى ذلك يمكن القول ان جوبا والخرطوم فى الواقع بدأتا بالقضايا المُهمّة اللازمة للإستقرار ولصالح الشعبين توطئة لحلحلة قضيتيّ الحدود وأبيي فى مناخ أفضل .