لا شك ان إستثناء ملف الحدود ونزاع أبيي من الاتفاق التاريخي المهم الذى تم فى أديس أبابا يوم الخميس فى السابع والعشرين من سبتمبر 2012م مردّه الى عدم الاتفاق بين الجانبين على حلول مرضية لهما، وأنه وعلى كثرة الجولات التى عقدها الرئيسان كير والبشير والتى بلغت 7 جولات تفاوضية مضنية ومرهقة لم يتسنَّ التوصل الى إتفاق يضع حداً للنزاع بين الجانبين فى هذين الملفين المهمّين، وهذا صحيح ولا يختلف حوله إثنان، ولكن بالمقابل فإن هذين الملفين ونظراً لأهميتهما البالغة ما كان ممكناً -عملياً- أن يتم طيّ صفحة الخلاف فيهما فى هذه الفترة الوجيزة من جهة، وفى ظل الحجم الهائل للقضايا المطروحة المتشابكة بين الجانبين من جهة أخري. ولهذا نعتقد ان إرجاء التفاوض بشأنهما لمرحلة مقبلة حُدِدَ لها فترة ثلاثة أشهر، يتيح وقت أكثر إتساعاً ويتيح أيضاً براحاً لهذين الملفين لا يتشابك معهما فيه أىّ ملف آخر، بحيث تصفو أذهان المتفاوضين ويتركز التفاوض حول تفاصيل هذين الملفين وحدهما . ربما جاء مصادفة أو بدون تخطيط سابق وربما كانت الوساطة والمجتع الدولي، بل حتى الجانبان أنفسهما يأملون أن يتم حل كافة الملفات جملة فى تلك الجولة خاصة وأنها تحولت من جولة تفاوض عادية عبر وفديّ البلدين الى قمة رئاسية يتقدمها رئيسا البلدين وعقدت 7 جولات متصلة لم يبارح خلالها الرئيسان مقر المفاوضات وألغيا العديد من إرتباطاتها أيّاً كانت أهميتها؛ ولكن على الصعيد العملي فإن إرجاء هذين الملفين جاء مناسباً، إذ أن الاتفاقيات ال9 التى تم التوصل اليها وجرت عمليات التوقيع عليها تعتبر مدخلاً جيداً للغاية ومقدمة لا غني عنها لحلحلة قضايا الحدود ونزاع أبيي. فمن جانب أول فإن من شأن حسن تنفيذ الترتيبات الأمنية، بإقامة المنطقة العازلة منزوعة السلاح وإستتباب الأمن على الحدود المشتركة وغياب أعمال وأنشطة العنف على الحدود ومن شأن إنسياب حركة التجارة والمواطنين دون عوائق ولا مشاكل أن يجعل الدولتين فى حالة استقرار تتيح بدورها النظر فى قضية الحدود بأفق أوسع وبذهن صافي تراعي فيه مصالح الشعبين والتداخل الحيوي فيما بينهما إذ أنه من المستحيل ان يتعنّت الطرفان فى قضية الحدود، كما ان عملية ترسيم الحدود نفسها والمناطق المتنازع حولها سوف تنساب فى سهولة فى ظل استقرار الحدود والمناطق المشتركة. سيكون ملف الحدود بعد تنفيذ الاتفاقات ال9 أقل صعوبة مما سبق بعد ان تنزاح العقبات والمتاريس الأمنية بين الدولتين وتدرك كل دولة أن عليها أن تتحلّي بالمرونة لصالح شعبها وقبائل التماس. ومن جنب ثاني، فإن انسياب النفط، أو إحتمال انسيابه فى ديسمبر المقبل بحسب الاتفاق سوف يسهِّل هو أيضاً من شعور كل طرف أن عليه إحترام مصالح الطرف الآخر لأن النفط هو مصلحة مشتركة شديدة الحساسية للطرفين تأثر بها إقتصادهما بصورة مباشرة ومن ثم فإن شعور كل طرف بأهميته وعدم العودة لاستخدامه كورقة لاحقاً سوف يجعل من نظر كل طرف لإمكانية حل قضية الحدود وأبيي أكثر سلاسة عن ذي قبل. من جانب ثالث فإن الفترة المقبلة – إجمالاً – سوف يتم فيها تقييم للمدي الذى وصلت اليه تنفيذات الاتفاقيات، طالما أن هنالك إهتمام متبادل بالتنفيذ وحرص عليه فإن هذا سوف يشكل دافعاً لحل النزاع الحدودي وملف أبيي بعيداً جداً عن عنصر الثقة الذى كان مهدِّداً رئيسياً لتفاهمات الجانبين. وأخيراً، فإن ملف أبيي أعقد من أن يتم حله فى إطار قضايا أخري، هو ملف شائك ودونه محاذير ومخاوف ويحتاج لمدي زمني أوسع وشيوع للثقة والمصالح المشتركة بين الجانبين، وغير بعيد عنه ملف الحدود الذى يصعب حسمه نهائياً إذ لا بد من ترك بعض النقاط والمناطق للتكامل، ولصالح الشعبين، وكل هذا لن يتوفر إلا بتوفر المزيد من التعاون المشترك والهِمّة العالية فى تنفيذ بنود الاتفاق والتفاهم الثنائي بعيداً عن العناصر السالبة إقليمياً ودولياًَ.