على الرغم من ان ملف قطاع الشمال لم يكن ضمن الملفات التى ناقشتها قمة الرئيسين البشير وكير فى أديس مؤخراً، على إعتبار أن ملف القطاع له مسار خاص مختلف ولا شأن له بالمفاوضات بين الخرطوموجوبا، إلاّ أن بنود الاتفاق الإطاري الذى تم التوصل اليه الخميس الماضي، فى قمة اديس حوت بصورة غير مباشرة ما يمكن ان نسميها (بنوداً صامتة) من شأنها حل قضية القطاع تلقائياً بمجرد إنفاذ الاتفاق. ولعلنا نشير هنا تحديداً الى المحور الرئيسي الأول الذى تواثق عليه الجانبان، وهو محور الترتيبات الأمنية، فقد حوي هذا المحور جملة من التدابير الأمنية التى يُراد لها حلحلة كافة أشكال التعقيدات الأمنية بين البلدين والتى تسبّبت فى تعقيد خلافاتهما وأوصلتها الى نذر حرب شاملة. من بين الاجراءات التى سيتم إتخاذها فى هذا الصدد، سحب الجيوش المتبادل من على الحدود سواء بدواعي تخفيف الهاجس الأمني بين الجانبين، أو بدواعي إقامة المنطقة العازلة المنزوعة السلاح والتى تقدر بمساحة 10 كلم شمالاً وجنوباً ويستتبع ذلك لاحقاً نشر قوات مراقبة دولية فى الشريط الحدودي، كما سوف تقام نقاط مراقبة وتجري عمليات وقف عدائيات صارمة جداً. إن من شأن إنفاذ هذه الترتيبات الأمنية بأىّ قدر وبأىِّ درجة من الدرجات ان يجعل من إمكانية تحرك جوبا لدعم قطاع الشمال فى جنوب كردفان أو النيل الازرق شيئاً بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً. فعلي الأقل – حتى ولو أن ذلك يحدث فى شكل خروقات من جانب جوبا – لن يكون بالصورة السافرة القديمة حين كانت كتائب من الجيش الشعبي الجنوبي مدججة بالسلاح الخفيف و الثقيل تنزل على الميدان بكامل عتادها لتدعم المتمردين من القطاع فى جنوب كردفان والنيل الأزرق . لقد إستمرأت جوبا هذا السلوك العدواني السافر ولم تكن تجد حرجاً فى القيام به فيما مضي للدرجة التى أضطرت فيها واشنطن للفت إنتباه الرئيس كير شخصياً لمخاطر القيام بهذا العمل وضرورة فك الارتباط بينها وبين قطاع الشمال. كان واضحاً ان الخروقات الجنوبية مريعة وتصعب مسايرتها أو السكوت عليها لأنها بمثابة مخالفة صريحة للقانون الدولي. الآن بعد الإتفاق وفى ظل وجود قوات مراقبة على الشريط الحدودي وفى ظل وجود المنطقة العازلة المرسومة بعناية ووضوح ستجد جوبا صعوبة فى هذا الأمر، ومن ثم لن يكون بوسع قطاع الشمال الإعتماد والاتكاء على الدعم الجنوبي. لقد باعد الاتفاق عملياً ما ببن القطاع وجوبا وبات عليهما التحلّي بدواعي الواقعية والنظرة العملية الجادة. والواقع ان هذا التطور الكبير وسواء قصده الجانبان أو لم يقصدانه يعتبر حلاً تمهيدياً لأزمة قطاع الشمال وبصفة خاصة فيما يتعلق بعملية فك الارتباط بينه وبين الحكومة الجنوبية إحدي أهمّ، وأكبر المعضلات التى كانت تعيق المفاوضات بين القطاع والحكومة السودانية، إذ ان القطاع مطالَب بأن يعتمد على نفسه وأن يعمل فقط داخل حدود المنطقتين إن كان بالفعل لديه القدرة على مواجهة الحكومة السودانية عسكرياً، كما أن بعض رجال القانون يشيرون الى ان قضية سحب قوات الطرفين من كل جانب يدخل فى نطاقها سحب الفرقتين 9 و 10 المتمركزتين فى جنوب كردفان والنيل الازرق بإعتبارهما فرقتين تابعتان -لوجستياً وتنظيماً- للجيش الشعبي الجنوبي حيث ما تزال المرتبات تأتي من رئاسة الجيش الشعبي فى جوبا للفرقتين؛ كما أن الترقيات هي الأخري ترد اليهما من ذات الرئاسة فى جوبا. واذا لم يتسنَّ عملياً سحب هاتين الفرقتين بالإدعاء أن منسوبيها ليسوا مواطنين جنوبيين وإنما هم أبناء النوبة وأبناء النيل الازرق، فإن الترتيبات الأمنية فى هذه الحالة تستلزم ان ينفك الارتباط عسكرياً بينها وبين رئاسة القوات الجنوبية فى جوبا، واذا أقرّت جوبا رسمياً ذلك فإن بالامكان ان تتعامل القوات المسلحة السودانية مع الفرقتين على الوجه المناسب. وهكذا، وفى كل الأحوال وضمنياً تم حسم الجزء الأكبر من أزمة قطاع الشمال، وهو ما من شأنه تمهيد الطريق لحل سياسي مع القطاع عبر المسار المخصص لذلك وتلك مهمّة سهلة وأيسر ما تكون.