مع لين ونعومة أظافر الاتفاق الوليد بين دولتيّ السودان وجنوب السودان والذي لم يتجاوز عمره اسبوعاً واحداً حتى الآن، يحتاج قادة وفد التفاوض –من الجانبين– الى قدر كبير من الحذر والاحتراس فى التصريحات، أو التفسيرات أو الاشارات الاعلامية هنا وهناك. العلاقات السودانية الجنوبية لم تتأذي كما تأذت من رصاص العبارات وبارود التصريحات الفتاك. إن 50% من النزاع السوداني الجنوبي طوال العام أو العامين الفائتين ترجع أسبابه الى مغالطة هنا، أو مهاجمة هناك، وحديث مرسل هنا، أو كلمة سياسية غير مسئولة هناك. لقد باعد هذا المسلك بين الطرفين وغطي على عنصر الثقة المطلوب ولهذا لم يتمكنا من إجتياز امتحان المفاوضات الشاق إلاّ عبر آلية القمة وإلتقاء رئيسيّ البلدين، بل حتى القمة نفسها احتاجت لأكثر من خمس جولات عبر أكثر من أربعة أيام لتجتاز جزء من أسوار الخلاف الشائكة! قبل يومين أطلق رئيس وفد التفاوض الجنوبي باقان أموم تصريحات لا نقول انها غير موقفة بقدر ما أنها خارج سياج الملعب تماماً، ولا تهمّ الفريقين ولا الجمهور. ربما كان هدف أموم محاولة (تبريد) الهواء الساخن المضغوط فى صدور أبناء أبيي من الحركة، الذين ما زالت تغلي صدورهم جراء إرجاء حل أزمة أبيي، فقد قال أموم أن لا تفاوض منتظر بشأن أبيي وان كل الذى سيحدث – على حد تصريحاته – أنّ الآلية الافريقية ومجلس السلم الافريقي سيقدمون مقترحاً من عندهم، أو إقرار أو ما شابه ذلك بشأن الحل، مشيراً الى ان كل الحلول المطروحة فى المفاوضات لم تحصل على موافقة الجانب السوداني، ومن ثم فقد إنتهي التفاوض وبقي فقط ان يقرر مجلس السلم و الأمن . ليس ذلك فحسب، ولكن أموم أقحم منطقة هجليج أيضاً ضمن النزاع الحدودي لتصبح المناطق الحدودية المتنازع عليها 5 مناطق بدلاً من الأربعة المعروفة، مع أن هجليج من الأساس لم تكن موضع نزاع قط. الوطني من جانبه رفض رفضاً باتاً إقحام هجليج فى النزاع الحدودي، كما أن رئيس الوفد السوداني المفاوض وزير الدولة ادريس عبد القادر، قال ان موضوع أبيي سيكون موضع تفاوض فى المرحلة المقبلة، وان المطلوب من مجلس السلم فقط تقديم إستشارة بهذا الصدد ليست ملزمة للجانبين، وأن التفاوض ربما يجري داخل إطار الاستفتاء أو فى إطار سياسي خارج صندوق الاستفتاء. من الواضح ان الإكثار من المغالطات والتصريحات المضادة – مع حداثة الاتفاق – من شأنه أن يبني جداراً سياسياً عازلاً - منذ الآن - بشأن القضايا التى لم يتم الاتفاق حولها بعد، ومن المنتظر استمرار التفاوض فيها بعد حوالي ثلاثة أشهر من الآن. إن الجانبين ومعهما الآلية الافريقية يعرفون أين وقف التفاوض بشأن أبيي والملف الحدودي ومن أين سينطلقان حين يحين أوان التفاوض. وبالطبع من مصلحة القضايا المراد التفاوض حولها ومصلحة ما تم الاتفاق حوله ان تقل حدة هذه التصريحات المتقاطعة البالغة الحدة فى مثل هذه الظروف، فهي ستكون حجر عثرة على طريق تعزيز الثقة والبناء المشترك والتى هى الهدف الرئيس من إتفاقية التعاون المشترك . إن القول بأن نزاع أبيي لن يكون محلاً للتفاوض وبصرف النظر عن أيّ شيء هو تصريح غير سياسي البتة، إذ لا يعقل ان يتفق الطرفان على معاودة التفاوض بشأن النزاعين (أبيي والحدود) ثم لا تكون هناك حاجة للتفاوض! كما أن من المستبعد منطقياً أن يتم حل النزاع فى أبيي بقرار من مجلس السلم أو حتى مجلس الأمن وذلك ببساطة لأنَّ النزاع له آليات محددة للحل منصوص عليها فى بروتوكلات أبيي بالتفصيل. أما هجليج فهي دون شك مهدِد محتمل للعملية السلمية برمّتها اذا إعتقدت جوبا أنها قادرة على إقحامها فى النزاع بهذا القدر من الانتهازية السياسية. وعلى أية حال فإن منح الفرصة كاملة للثقة وسلاسة إنسياب الاتفاق الحالي، هى الضمانة الأكيدة لإمكانية حلحلة بقية القضايا فى المستقبل القريب، وإلاّ إنهار كل شيء فى ثواني وعاد الجميع الى ما وراء المربع الأول!