قد ينظر البعض الى الأمر من زاوية المبالغات أو الحِدة فى الاستقراء والتمعن، ولكن تصاريف السياسة دائماً قائمة على المتغيرات والتقلبات، ونعني بذلك إحتمال وقوع خلاف كبير بين الحكومة الجنوبية وما يسمي بقطاع الشمال هو إحتمال بانت نُذره فى الآفاق، منذ أن وجّه عرمان إنتقاداً لاذعاً للإتفاق بتجاهله للأوضاع فى جنوب كردفان والنيل الأزرق! ربما خجل عرمان وإستحيا من أن يقول ان (اصدقاءهم) فى الشعبية لم يحسِنوا التعامل مع ورقة القطاع على مائدة أديس ولم يعملوا (من أجل القطاع) مع أن عرمان كان يعلم أو هكذا يُفترض أن مفاوضات القضايا العالقة لا صلة لها بمفاوضات القطاع مع الحكومة؛ فذلك مسار وهذا مسار آخر وفق منطوق القرار الدولي 2046. لقد أدرك عرمان متأخراً جداً أن (رايس) التى أشرفت على صياغة القرار 2046 وأقحمت بند التفاوض مع القطاع فيه كانت ماكرة الى حد بعيد، فقد إنتهي أكثر من 90% من أمر القطاع فى مفاوضات القضايا العالقة بحيث لم يتبق إلاّ القليل والقليل جداً لمفاوضات الحكومة السودانية والقطاع. ولهذا فإن إنتقاد عرمان للمفاوضات رغم أن رئيس الوفد (باقان) هو (رفيق) عرمان هو إنتقاد مبطن وضمني لرايس، ولصياغتها الماكرة للقرار، مع أن رايس لم تكن فى حاجة لمن يدلّها على وزن القطاع وعدم جدواه السياسية! المأزق الآن، ان عرمان ورفاقه اذا ما كابروا وتحدّوا إتفاق الترتيبات الأمنية وقاموا بعمل أخرق على الحدود، فإنهم بذلك يضعون أنفسهم فى مواجهة خاسرة دون شك، ذلك أن الجديد هذه المرّة أن جوبا (غير قادرة عملياً) على إعادة التعامل بذات اللعبة القديمة، لأنّ الاتفاقية متشابكة ومتداخلة وأىّ تأثير سالب فى جزء منها يمتد تلقائياً الى جزء آخر، وقد سارع السودان من جانبه للوفاء بعدد من بنود الاتفاق من جانب واحد سعياً منه الى تأكيد حسن النيّة وضمان حسن سير الاتفاق. من جانب ثاني، فإن جوبا التى تنتظر ان تحسم بقية الملفات العالقة (أبيي والحدود) تجد نفسها فى سباق مع الزمن لإنجاز هذين الملفين ليسيرا جنباً الى جنب مع بقية الملفات لأنّ ملف أبيي على وجه الخصوص بات (قنبلة موقوتة) داخل كابينة القيادة بعد أن غضب بعض قادة الحركة المنحدرين من أبيي أمثال دينق ألور من تأجيل حسم الملف. جوبا لا تريد شرخاً فى كابينة القيادة يدخلها فى متاهة سياسية معقدة هى فى غنى عنها، ولهذا فهي ستحرص على تنفيذ الاتفاق وسرعة حسم ملف أبيي والحدود، من هنا وإلي ذلك الحين لن تسمح لقطاع الشمال بالقيام بأيّ مسلك عدواني يطيح بما تم إنجازه أو يؤثر عليه سلباً. الحسابات الجنوبية هنا في هذا المنعطف الحاد، دقيقة للغاية وخطيرة ولهذا قلنا ان إمكانية تدهور العلاقة بين الحكومة الجنوبية والقطاع تبدو متزايدة للغاية، ففي السياسة وحدها كما يقولون هناك مصالح دائمة وليست هناك صداقات دائمة؛ كما أن القطاع من الأساس ظل يشكل عبئاً غير محتمل للحركة الشعبية وحمولة زائدة ما فتئت تعرقل مصالح الحكومة الجنوبية، كما أن نماذج الخلافات والصراعات بين الأحزب المتماثلة والممتدة فى أكثر من دولة معروفة لأن طبيعة الشيء تحتِّم أن يمارس كل حزب عمله وفق معطياته المحلية وضمن سياق المعادلة السياسية الوطنية بعيداً عن حسابات الآخرين فى الخارج، وهذا ما بدأ يحدث للتوّ لقطاع الشمال، الذى بات يتعيّن عليه أن يتدبر أمره وفق ما يتوفر لديه من إرادة سياسية وإمكانات، ومعطيات، ويبدو أنها ساعة الفطام الشاقة حلّت على القطاع على غير إنتظار!