بعد فشل خطتها التكتيكية فى التركيز على تنفيذ ملف النفط فقط، والمماطلة فى تنفيذ الملف الأمني -طبعاً لأسباب معروفة- لجأت جوبا مرة أخرى ومن جديد لذات الأسلوب الدعائي القديم بأن السودان يشنّ هجمات جوية – بالطيران – على أراضيها! الخبر القديم الجديد أورده المتحدث بإسم الحكومة الجنوبية ووزير إعلامها (برنابا ميرال بنجامين) والذى قال للصحفيين -الجمعة الماضية- ان الحكومة السودانية قصفت منطقتين بولاية شمال بحر الغزال. وكعادة الحكومة الجنوبية طوال سلسلة نزاعاتها مع السودان لم تورد تواريخاً للقصف المزعوم ولا صوراً يمكن الاستدلال بها علي صحة زعمها، ولا إشارة الى أضرار أو ضحايا! بل ظلت جوبا رغم كل مزاعمها وإتهاماتها هذه تقرن مزاعمها بالعبارة السياسية (ذات المغزى) أنها حريصة على إنفاذ إتفاق التعاون مع السودان! وبالطبع لن يفوت على فطنة أحد الهدف المقصود من هذه الاشارة المتكررة، فالأمر فى مجمله لا يعدو إعداداً وتهيئة للمسرح هناك فى نيويورك للزعم أن جوبا تريد التعاون السلام، بينما الخرطوم تفعل العكس! إن الناظر الى سلوك الحكومة الجنوبية منذ توقيع إتفاق التعاون المشترك فى أديس فى السابع والعشرين من سبتمبر الماضي يري عدة مؤشرات سالبة، تكفي أى واحدة منها لإثبات انها لم تكن من الأساس راغبة فى معاهدة سلمية حقيقية مع السودان. من جانب أول، ومع أن الاتفاق جري على يد رئيسيّ البلدين وجرت حوله تفاهمات خاصة وإتصالات ومهاتفات تلفونية لاحقة، إلا أن جوبا منذ إنفضاض السامر فى أديس أبابا ركزت كل إهتمامها فقط على نزاع أبيي. تجاوزت بمنتهى التجاهل إنفاذ الاتفاق لينصبّ كل إهتمامها فقط على نزاع أبيي والمقترح الذى رفعه مجلس السلم وحسم القضية لصالحها بواسطة مجلس الأمن. لقد تبيّن من خلال هذا المسلك، ان جوبا ربما كانت تريد (هدنة) قصيرة تستجمع فيها قوتها، وتلملم أوراقها المبعثرة لخوض جولة جديدة فى نزاعها مع السودان. كان واضحاً أن إتفاق التعاون المشترك بدا قيداً ثقيلاً على أيديها وأرجلها وألّب عليها بعض القادة داخل الحركة الشعبية، وبدا الرئيس الجنوبي نفسه مهدداً فى سلطته الرئاسية، ولهذا تماطلت تماطلاً ظاهراً فى إنفاذ اتفاق الترتيبات الأمنية كسباً للوقت ومحاولة للقفز فوق الواقع. من جانب ثاني فإن جوبا خادعت وخدعت المجتمع الدولي بإبتعاث وفد جاء الى الخرطوم على نحو شبه مفاجئ برئاسة وكيل وزارة النفط الجنوبية للتباحث حول ضخ النفط. كانت خطوة مدهشة بحق، ففي الوقت الذى كانت جوبا قد ماطلت فيه بشأن الملف الأمني ولم تهتم مطلقاً بإنفاذه رغم إنعقاد اللجنة الامنية فى جوبا، لم تجد حرجاً فى إبتعاث وفد توطئة لضخ النفط! المعادلة هنا كانت واضحة، فقد كانت جوبا تعلم علم اليقين ان الأمر بدا كمن يضع العربة أمام الحصان، وهى تدرك كل الإدراك ان السودان لن يقبل هذا الوضع، ولهذا فعلت ما فعلت فقط من باب التظاهر بإبراء الذمة السياسية ولإشهاد العالم أنها تقدمت خطوة ولكن السودان لم يتقدم ذات الخطوة. من جانب ثالث فإن جوبا - أيضاً فى سياق كسب الوقت - قدمت دعماً لوجستياً سريعاً لما يسمى بالجبهة الثورية لاحتلال مناطق بشرق دارفور ولتوجيه ضربات مؤثرة لحاضرة ولاية جنوب كردفان كادوقلي حتى يتحسّن بشكل جيِّد الموقف التفاوضي لقطاع الشمال فى أيّ مفاوضات مرتقبة بينه وبين الحكومة السودانية مستقبلاً. كانت جوبا تفعل ذلك تفادياً لخسارة القطاع من جهة ومحاولة إجبارالسودان للوفاء بمطالبها وإبداء المرونة فى ملف أبيي والحدود . لكل ذلك وحين بدأت جوبا تدرك أن الأمور لم تمضي وفقاً لما تشتهي اضطرت أخيراً للجوء لخيار الاتهامات، فأعادت إتهامها للخرطوم بقصف مناطق داخل أراضيها. هدف جوبا التكيتكيّ والاستراتيجيّ فى آنٍ واحد من كل ذلك هو تقديم كل أوراقها أمام منضدة مجلس الأمن الدولي حين يتم إختيار الادارة الأمريكيةالجديدة فى يناير المقبل وتصبح السيدة رايس فى مركز متقدم فى واشنطن!