يسود إعتقاد خاطئ وسط العديد من المراقبين أنَّ نزاع أبيي بين دولتيّ السودان وجنوب السودان والذى لم يتسنَّ الوصول بشأنه الى حل فى طريقه لأن يتم حله عبر قرار من مجلسيّ السلم الافريقي والأمن الدولي. ويبرِّرون ذلك بأن الطرفين لم يتوافقا على المقترحات المقدمة من الوسطاء بشأن الاستفتاء؛ كما لم يتفقا على حل خارج إطار الاستفتاء ومن ثم لم يعد من حل سوي بفرض الحل دولياً! وقد عزّز من هذا الاعتقاد تصريحات نُقلت منتصف الاسبوع الماضي عن السيد باقان أموم رئيس وفد التفاوض الجنوبي أشار فيها لذات المعني، وقاطعاً بأن المفاوضات بشأن نزاع أبيي قد إنتهت ولم يتبق سوي القرار من مجلس السلم الافريقي والذى بدوره سوف يرفعه لمجلس الأمن الدولي. ونحن هنا وقبل الخوض فى هذا الزعم والاعتقاد الخاطئ نلفت الانتباه بدايةً الى انّ تصريحات أموم فى هذا الصدد لا تعتبر مرجعية سياسية يمكن الأخذ بها والإطمئنان إليها، فالرجل نُقِلت عنه فى ذات الوقت تصريحات بتضمين منطقة هجليج ضمن المناطق الحدودية المتنازع عليها فى الوقت الذى فيه لم تُوضع هجليج مطلقاً كمنطقة متنازع عليها ولا شأن لها بالنزاع الحدودي. أموم إذن يعبِّر عن وجهة نظر خاصة طالما ان الأمر واقعياً غير صحيح، فلم لا يكون الرجل بذات القدر يعبِّر عن ذات القناعات الخاصة فيما يخص أبيي؟ خاصةً وأننا نعلم أن أموم يعاني هذه الايام من مزايدات سياسية ومضايقات من أبناء أبيي بالحركة الذين ساءهم ألاّ يحسم النزاع بشأنها مع ما جري حسمه من منازعات؟ أما فيما يخص ما بات يروج من أن أبيي تنتظر قراراً دولياً فإن شواهدَ عديدة تدحض هذه الفرضية وتكذبها، فمن جهة فإن الوسطاء وعقب التوقيع على إتفاقية التعاون المشتركة فى 27/9/2012م بأديس ابابا أكدوا أن قضيتيّ أبيي والحدود سوف يُستأنف التفاوض فيها فى غضون ثلاثة أشهر . فلو كان صحيحاً أن أبيي لم تعد موضعاً للتفاوض لقالوا ذلك صراحة لأن ذلك يُحسب ضمن انجازاتهم كوسطاء، على إعتبار ان ما تبقي بهذا الصدد ملفاً واحداً وهو ملف الحدود. واذا إفترضنا جدلاً أن الوسطاء ربما يكونوا أخفوا هذه الحقيقة – إذا صحت – فإن أحداً لا يمكنه ان يتصور إخفاء الوسطاء لحقيقة كهذي من الممكن وفى أىِّ لحظة أن يكشف عنها أحد الطرفين، تماماً كما فعل أموم. ففى هذه الحالة تنهار تماماً مصداقية الوسطاء ومن ثم تتعقّد الأزمة وربما تنهار المفاوضات بالكامل. من جهة ثانية فإن هذه الفرضة هي أيضاً لو صحت لما عاد دينق ألور - تحديداً - وهو أحد أبناء أبيي الشديدي الاهتمام بالنزاع غاضباً الى جوبا ولم ينتظر حتى الاحتفال بالتوقيع، مع أن الأعراف الدبلوماسية والسياسية تلزمه بذلك، فقد كان من الطبيعي – كما قلنا إذا صحّت هذه الفرضية – أن يعود ألور فرحاً لقرب إنهاء نزاع أبيي بقرار دولي وهو يعرف أن مثل هذه القرارات فى الغالب سترجِّح كفة أيلولتها الى جوبا. من جهة ثالثة، فإن من المستحيل تماماً مهما قدحنا أذهاننا ان نتصور حلاً دولياً مفروضاً فى أزمة ملكية كهذه بالغة التعقيد وستؤثر فى مستقبل علاقات الدولتين تأثيراً خطيراً مزمناً. لن يكون بوسع أىِّ جهة إقليمية أو دولية إتخاذ قرار بهذا الصدد يحوز الرضاء من الجانبين ويصبح ملزماً. فلا ميثاق الأممالمتحدة ولا النظام الأساسي لمجلس السلم الافريقي يتضمّنان نصوصاً بهذا المعني ؛ كما لا توجد سوابق مماثلة من قبل مشابهة لهذا الوضع حتى يمكن المقايسة عليها. إذن ليس صحيحاً - لا نظرياً ولاعملياً - ان نزاع أبيي قابل للحل بموجب قرار وأنه لا تفاوض منتظر بشأنه، ولعل الأقرب الى المنطق فى هذا المنحي ان يكون الطرفان قد احتكما الى مجلس السلم والأمن الافريقي كجهة إستشارية لأخذ المشورة منه فى كيفية وضع أسس الحل، والرأى الاستشاري فى مثل هذه الحالات ليست له صفة إلزامية للأطراف ولا يحوز حجّية الأحكام القضائية الواجبة النفاذ. كما أن من الممكن – عند إستعصاء الحل – اللجوء الى جهة تحكيمية دولية، ليست بالضرورة محكمة لاهاي التحكيمية بغرض تفسير نصوص البروتوكولات الخاصة بأبيي فيما يختص بمن يحق لهم التصويت فى الاستفتاء المقرر، إذ أنّ مجمل النزاع حالياً يبدأ وينتهي بهذه النقطة التى ظهر لها أكثر من تفسير من الجانبين. وعلى كلٍ، فإن أحداً لن يستبق الأحداث، فالأزمة أُجلت لمزيد من التفاهم وتدعيم الثقة بين الطرفين لأنها أزمة تستلزم قبل كل شيء توفر الثقة وعلاقات حسن جوار جيّدة وإستعداد لمراعاة حقوق المقيمين على أرض أبيي فى كل الحالات.