ينشط البعض – على هذا الجانب أو ذاك – للبحث عن منفذ، أىّ منفذ فى ثنايا الخطوط العامة للمفاوضات بين السودان وجنوب السودان للإشارة الى تنازلات؛ ويروِّج البعض هذه الايام لإفتراضات لم تجد لها أساساً بتقديم الخرطوم لتنازلات، على وجه الخصوص بشأن نزاع أبيي، وقد إستخدم البعض -خطأً- وبعضٌ آخر بسوء نية تصريحات صادرة عن رئيس وفد التفاوض الجنوبي باقان أموم حين قال ان التفاوض بشأن أبيي قد إنتهي وأن الأمر كله رهين فقط بقرار مجلس السلم والأمن الافريقي. وكما هو معروف فقد أكد الوفد السوداني على لسان رئيسه إدريس عبد القادر على عدم صحة ما قاله أموم، وأشار الى ان تصريح أموم يعبر عنه هو، ولا يعبر بالضرورة عن الحكومة الجنوبية. وبطبيعة الحال ليست هنالك أىِّ جدوي من الإنجرار وراء المغالطات، فهي لا تعدو كونها مجرد تصريحات، العبرة ليست بها وإنما بالواقع داخل قاعة التفاوض. فما هي القصة إذن، وما الذى يمكن ان يثير القلق بشأن النزاع فى أبيي؟ بإختصار، فإن المقترح الذى طرحته الوساطة وفي الغالب ستقدم به تقريراً لمجلس السلم والأمن الافريقي لا يتجاوز تكوين مفوضية الاستفتاء. فهي سوف تكون بحسب ما تم طرحه كمقترح من عضوين من كل طرف، المسيرية ودينكا نقوك على أن يرأسها عضو من الإتحاد الافريقي. لقد قبل هذا المقترح الطرف الجنوبي فى حين واجهه الجانب السوداني بالرفض. وسواء صحَّ الأمر على هذا النحو أو لم يصح، فهو على أية حال مقترح لم يشتط فى أصل النزاع ولم يفرض أمراً يجعل من النزاع محسوماً لصالح دولة جنوب السودان. ومن المهم هنا قبل الخوض أكثر فى الموضوع ان نشير الى أن مجرد إستشاطة دينق ألور غضباً ومغادرته لأديس أبابا قبل حفل التوقيع على إتفاقية التعاون المشترك فيه دلالة واضحة على ان الرجل لم يرَ أفقاً واضحاً أو حلاً ملموساً أو حتى تنازلاً سودانياً يجعله مطمئناً. غضب ألور كان أكبر دليل على ان النزاع ما يزال موضعاً لأخذ و رد، ولم يستوي على الجودي. من جانب ثاني فإن قواعد عملية الاستفتاء بإعتبارها قواعداً قانونية وتحتاج بالفعل لما تسترشد به، يصعب البت فيها، أو أن يتوافق الطرفين عليها بسهولة، ولهذا فإن الغالب ان الطرفين أوكلا للاتحاد الافريقي مهمّة إعطاء رأي استشاري فى كيفية وضع قواعد عادلة لهذه العملية، سوف تكون – كشأن أيِّ رأى استشاري – غير ملزمة للطرفين وقابلة هى الأخري الى القبول أو الرفض أو إدخال تعديلات عليها. إن من المستحيل تماماً مهما بالغ البعض فى النبؤات والاجتهادات السياسية ان تفرط الحكومة السودانية فى منطقة أبيي والنزاع من الأصل معطياته واضحة وطريقة حله واضحة. هناك دون شك من تجاوزوا إتفاق التعاون المشترك لمّا لم يجدوا فيه مطعناً موضوعياً، ليقطعوا الطريق على مستقبل المفاوضات وبدأوا فى الاشارة الى تنازلات وخفايا وأسرار؛ ولم يتذكّروا أن ذلك لو حدث لسارع القادة الجنوبيين – الأكثر تطرفاً وإشتطاطاً فى المواقف ضد الخرطوم – للترويج لذلك ولملأوا الدنيا ضجيجاً وسروراً لا تحدّه حدود!