قالت مندوبة واشنطن فى الأممالمتحدة (سوزان رايس) إن مجلس الأمن سيبقي متحداً ويمارس المزيد من الضغط لإحراز تقدم بشأن المنطقتين، جنوب كردفان والنيل الأزرق. وشددت رايس فى تصريحات نُقلت عنها الجمعة الماضية على ضرورة إنفاذ إتفاق أديس ابابا بين جوباوالخرطوم وإستئناف مفاوضات قطاع الشمال والحكومة السودانية، كما شددت على ضرورة العمل على إيصال المساعدات الانسانية فى المنطقتين. والذى يعرف (رايس) بالطبع يعرف ان السيدة الحادة الطبع والعبارات ربما كانت تجيد الكثير من الأحاديث السياسية وحبك وتمرير الخطط، ولكنها لا تجيد – بذات القدر – المبادئ المتعارف عليها فى الدبلوماسية. وقبل أن نزن ما قالته فى الميزان الدبلوماسي نشير الى أن رايس سعت فى بداية عهد الرئيس أوباما – بطموح إنساني لا تحده حدود – لتسنُم المقعد الدبلوماسي الأول في الخارجية، وتدخلت عوامل كثيرة جزء منها مستوي تأهيلها وخبرتها ليحولان دون حصولها على ما تريد، ولهذا فهي ما تزال تؤمل، وترتجي وتنتظر! وعودة الى ما قالته رايس فإن هناك فى الواقع صعوبة فى جمع ما قالته إجمالاً للخروج منه بنتيجة واضحة! فاللجهة العامة لتصريحاتها – كما هو مألوف – توحي بشراسة وتهديد ضمني وعلنى لأطراف الاتفاق حين أشارت الى إتحاد المجلس فى مواصلة الضغط، وكأنِّي برايس تحاول نفي إعتقاد لدي الأطراف، أحدهما أو كليهما، أن المجلس منقسم؛ أو أنه لن يواصل ضغوطه على الأطراف؛ وهو ما لم يتبادر لذهن أحد، ولا ورد فى أيّ خبر أو محضر، فالاتفاق إجمالاً ومن حيث المبدأ والسمات العامة بدا منصفاً للطرفين ووليد إرادتيهما حين عكف الرئيسان، البشير وكير – لأربعة ايام – على معالجة الملفات الخلافية حتى خرجا بالاتفاق. الاتفاق نفسه بدا وكأنه بناء جديد وإتجاه مستحدث للذهاب الى ما هو أبعد من مجرد حلحلة القضايا العالقة الى ترسيخ العلاقات نفسها بين البلدين وإعمارهما بأكثر من كونها مجرد علاقات عادية بين جارين. لا أحد – خاصة الذى يعرف رايس جيداً – يمكنه ان يتصور أن ما تم الاتفاق عليه بين جوباوالخرطوم بكل هذا القدر من الرغبة المتأججة فى التعاون والإخاء هو وليد ضغط أمريكي ونتاج لسياسة أمريكية تطمح الى الإرتقاء بعلاقات البلدين الى أفضل مستوي مطلوب! المنطق السياسي يأبي أن يستصحب -هنا تحديداً- أدني رؤية أمريكية. من جانب آخر فإن رايس ومع علمها ان واحدة من أهم مقتضيات الترتيبات الامنية الواردة ضمن الاتفاق، حل الفرقتين 9 و 10 وطرد المعارضة المسلحة من كل بلد وتنظيف الحدود المشتركة إلاّ أنها تحدثت عن إستئناف التفاوض مع قطاع الشمال! من المستحيل ان تكون رايس – فى هذه النقطة – تقوم بعمل دبلوماسي حقيقي، فالتقاطع بين الأمرين ظاهر وماثل للعيان بحيث لا يحتاج لمجرد إشارة . قطاع الشمال طالته متغيرات، ووضعه فى حاجة لوقت طويل لكي يتم توفيقه وإعادة تدويره حتى يصبح صالحاً للتفاوض! الأمر الأكثر مدعاة للإستغراب ان رايس ما تزال – وفى هذه اللحظة – تنتظر موافقة سودانية لإيصال المساعدات الى المنطقتين! على الرغم من أنَّ المنطقتين -تلقائياً- إذا تم إنفاذ الترتيبات الأمنية بين الخرطوموجوبا - وهو ما يجري الآن فعلياً بإجتماع اللجنة المشتركة، فإن المنطقتين سيتغيَّر وضعها لا محالة ومن المستحيل أن تجهل رايس ذلك. أما ما كان بحق قاصمة ظهر لتصريحات رايس هو مسارعتها – بذات القدر من عدم الدبلوماسية – للإعلان عن دعم بلادها -ولم تستطع القول دعم مجلس الأمن- لمقترح الاتحاد الافريقي بشأن النزاع فى أبيي! ووجه عدم الدبلوماسية هنا، أن المفاوضات بشأن أبيي لم تنعقد بعد، وأن الاتفاقية الأخيرة بحاجة الى بعض الوقت لتعزيز الثقة وترسيخ التعاون بين البلدين تمهيداً للشروع فى حلحلة ملفيّ الحدود وأبيي فى مناخ سياسي مواتي بين الدولتين. رايس بدت وكأنها فى عجلة من أمرها لإنهاء الملفات العالقة كافة، أو ربما أرادت الإيحاء بأن الخرطوم (أخذت الكثير) من إتفاق التعاون المشترك، ويتعين ان يُؤخذ منها الكثير فى ما يخص أبيي والحدود، أو أنها تقدم إسناداً سياسياً – مجانياً هذه المرة – لأبناء أبيي فى الحركة الشعبية أمثال دينق ألور بأن قضية أبيي حاضرة ولن تتأخر كثيراً. وسواءً كان هذا أو ذاك فإن رايس خلطت الأوراق ورجّت الخليط بشدة بلا جدوي، فقط لتبدو دبلوماسية ماهرة، وما هي كذلك.