أقر زعيم حركة النهضة في تونس راشد الغنوشي بأن فكرة التعددية السياسية لا تزال في التنظير الإسلامي بحاجة إلى المزيد من الاهتمام والتوسيع عند المفكرين الإسلاميين، في حين دعا رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل الإسلاميين للاعتراف بأن الحكم أعقد مما كانوا يتصورون. وأوضح الغنوشي في المحاضرة التي ألقاها ضمن برنامج اليوم الأخير من مؤتمر "الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي.. تجارب واتجاهات" الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، أن الطيف الأوسع من الإسلاميين مقتنع بالديمقراطية، وأن التيار الإسلامي تتزايد قناعته ببناء دولة مدنية تستمد شرعيتها من الشعب. واعتبر أن الديمقراطية ليست فقط ضمان حق الأغلبية، بل هي أيضا احترام لرأي الأقلية، مشيرا إلى أن البعض يريد استيراد العلمانية باعتبارها فلسفة ويفرضها على البيئة الإسلامية، "بينما نحن لسنا في حاجة إلى هذه الفلسفة، لكن يمكننا الاستفادة منها كآلية إجرائية تنظم تداول السلطة والحكم". وقدم زعيم حركة النهضة عرضا عن تجربة شراكة الحركة مع القوى العلمانية قائلا إن حركة النهضة تساهم بحكم حصولها على الأغلبية مع حلفائها في المجلس التأسيسي في صوغ مسودة دستور ديمقراطي. وأوضح أن النص الآن جاهز وسيطرح للتداول والنقاش، لكن هناك مشكلة لا تزال معلقة وهي الخلاف بشأن طبيعة النظام، هل يكون برلمانيا أم رئاسيا. وأكد أن حركة النهضة تساند النظام البرلماني لأنها ترى أن الاستبداد دخل تونس من باب النظام الرئاسي. وأوضح الغنوشي أن حركة النهضة في تونس اقتنعت بضرورة الحفاظ على حرية واختيار قسم من المواطنين الذين لا يطمئنون لجعل الشريعة مصدرا للتشريع، ووافقت على عدم نص الدستور الجديد على أن تكون الشريعة مصدر التشريع. حالة حماس من جانبه نبه رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل إلى ضرورة أخذ الحالة الفلسطينية في سياقها الخاص وعدم مقارنتها بحالات الإسلام السياسي في دول عربية أخرى. وقال إن حماس حركة تحرر وطني أولا، وليست حركة إسلام سياسي فحسب. ويرى مشعل في ظل هذا الوضع أنه "لم تعد هناك حالة يمكن أن تسمّى تجربة حكم إسلاميين في غزة. لكنّنا في حماس نشير إلى أننا خضنا التجربة ونتعلّم منها وقد أخطأنا في أشياء ونتعلم من ذلك". وشدّد على أن حماس من منطلق إطارها الفكري ورؤيتها وبعد أن اضطرت إلى دخول الانتخابات والحكومة للحد من سلبيات مسار أوسلو، فقد حاولت الجمع بين المقاومة والسلطة، "وهذا أمر صعب ولكن حماس بقيت مقاومة ومع المقاومة". وطالب القوى السياسية العربية ومن ضمنها حركات الإسلام السياسي أن تؤسس لنموذج معاصر للديمقراطية، وأوضح أن "هناك فرقا بين موقع المعارضة والحكم، بين التخيّل والافتراض والمعايشة والمعاناة، وفرقا بين الناقد والممارس". وقال إن "على الإسلاميين الاعتراف بأن الحكم أعقد مما كانوا يتصورون"، وتوجه إلى الحركات السياسية الإسلامية وغيرها بضرورة التواضع في الوعود للناس وفي ادعاء امتلاك الحقيقة. ضرورة التوازن وأوصى مشعل الأنظمة الديمقراطية التي تنشأ عن ثورات الربيع العربي بالتوازن بين الهم الوطني الداخلي وأولويات الهم العربي والإقليمي، "فدولة بأهمية مصر مثلا لا يمكن أن تنكفئ على نفسها، وتبقى في منأى عن قضية فلسطين أو التوازن الإقليمي أو الصراع العربي الإسرائيلي، والملفات الكبرى. وهذا هو الدور المطلوب من نظم ما بعد الثورات العربية". يذكر أنه وعلى امتداد 12 جلسة في الأيام الثلاثة التي استغرقها المؤتمر، فحص باحثون وأساتذة جامعيون الجوانب المختلفة لمشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية في الدول العربية، وقدّموا قراءاتهم التحليلية عن المسار التاريخي الذي مرت به الحركات الإسلامية في السودان والأردن ومصر وتونس والمغرب والعراق وفلسطين واليمن والجزائر ولبنان وليبيا وموريتانيا، كما عدّدوا التحدّيات التي تواجهها حركات الإسلام السياسي في ظل ثورات الربيع العربي وما ينتظر منها في ما بعدها. وإلى جانب مداخلات وأوراق الباحثين التي تناولت موضوعات المؤتمر من زاوية التحليل الأكاديمي، قدم السياسيون المشاركون في المؤتمر من زعماء للحركات الإسلامية وممثّلين عنها مداخلاتهم التي عرضوا فيها تجاربهم، وهو ما أثرى النقاش وفتح جسورًا للتواصل والحوار بين المجتمع الأكاديمي ومجتمع الممارسين السياسيين من تيار الإسلام السياسي.