نشد على يد الحكومة ، وقد أعلنت مبكرا الحرب على الفساد ، باعتباره الوباء ، الذي يسيء للوطن وللمواطنين ، وندعوها من هذا المنطلق ، إلى فتح ملف التمويل الأجنبي ، الذي هبط علينا فجأة ، بعد مؤتمر مدريد 1991 ، لخطورة هذا الملف وما يتسرب منه من رائحة تزكم الأنوف ، إذا علمنا أن الدول الأجنبية ومؤسساتها ، لا تمنح المال لسواد عيون هذا البلد ، أو ذاك ، كما أنها ليست بجمعيات خيرية ، تهب الصدقات للفقراء والمساكين ، فهذا المال يا سادة أولا وأخيرا ، هو ضرائب جمعت من مواطني الدول المانحة أو المتبرعة ، وأنه بالتالي لا يعطى إلا لتحقيق هدف استراتيجي ، يقنع دافعي الضرائب ، ويخدم مصالح الدول المانحة. وفي هذا الصدد ، لا بد من التذكير بالمساعدات التي أقرتها الخارجية الأميركية ، في عهد كولن باول وزير خارجية بوش الابن ، للإعلام والصحف في العالم الثالث ، تحت يافطة "تطوير الديمقراطية" ، وقامت رايس بعد ذلك بزيادة هذا المبلغ إلى 250 مليون دولار هذا أولا. ثانيا: لقد تضاعف عدد مراكز الدراسات في العالم العربي تضاعفا ملفتا للانتباه ، وقام بعضها بنشاطات مثيرة ، بعد أن ضم شريحة من المنتفعين ، وكتاب المارينز ، وأبواق النيوليبرالية ، ولمزيد من الايضاح ، نذكر بالإشكالية التي أثارها مركز ابن خلدون في مصر ، والتهمة التي أسندت إلى مديره في ذلك الحين ، بأنه يشجع على الفتنة الطائفية ، حيث تم الحكم عليه بالسجن الفعلي ، ومارست الخارجية الأميركية بعد ذلك ضغوطا كبيرة ، للإفراج عنه ، كونه يحمل الجنسية الأميركية وهكذا كان. وليس ببعيد عما سلف ، نشير إلى تصريحات آفي ديختر ، مدير الشاباك الصهيوني ، كما نقلها د. محمد ادريس ، الباحث في مركز الدراسات ، في الأهرام ، في حديث لفضائية "الجزيرة "لقد حققت إسرائيل اختراقين كبيرين: على صعيد رجال الأعمال ، وعلى صعيد الصحافة والإعلام في مصر" ويضيف ريختر "بأن إسرائيل ترفض أن يكون رئيس الجمهورية القادم من الجيش أو المعارضة ، وتصر على أن يكون جمال مبارك ، ليس لأنه موافق على كامب ديفيد فحسب ، بل لأنه تعهد بالمحافظة عليها وحمايتها" ، وهذا يفسر ما قاله د. مصطفى الفقي "بأن الرئيس القادم يجب أن يحظى بموافقة واشنطن ورضى إسرائيل". ومن ناحية أخرى ، نشير هنا ، إلى أن الكاتب الإسلامي فهمي هويدي ، أشار في مقال نشر بالأهرام ، إلى ظاهرة الصحفي المليونير ، والتي بدأت في الظهور بمصر ، داعيا إلى التحقيق في هذه الظاهرة ، والتي تشي بأن وراءها فساد كبير ، وأموال تضخ من الخارج ، تحت يافطة تطوير الديمقراطية ، والمحافظة على حقوق الإنسان. باختصار...فتح ملف التمويل الأجنبي ، أصبح ضرورة وطنية ، ويجب أن يبدأ بسؤال..من أين لك هذا؟ والذي نأمل أن يصبح قانونا نافذا ، يسهم في الحد من الفساد ، ويسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية. وهنا لا نريد أن نستبق الأحداث ، ونسوق الاتهامات جزافا ، ولكننا نعتقد أن الأموال الأجنبية ، التي تتدفق على هذه المراكز ، ليست بريئة ، بل تهدف إلى اختراق المجتمع المدني العربي ، وخلق طبقة من المنتفعين ، والمرتشين ، وكتاب المارينز ، مهمتها تزوير الحقائق ، وتضليل الرأي العام ، والتبرير للتطبيع مع العدو. والله من وراء القصد. المصدر: الدستور الاردنية 14/2/2010