على مدى العقد الأخير نجحت أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في تحقيق أعلى معدلات النمو الاقتصادي منذ ستينيات القرن الماضي عندما تحررت من الاستعمار، لكن رغم معدل النمو الاستثنائي الذي قدر بحوالي 5.4 في المئة بين عامي 2000 و2010، وهو ضعف ما تحقق في السبعينيات والثمانينيات، يظل النمو الاقتصادي غير كاف لاستيعاب العدد الكبير من الشباب الذين يعانون من البطالة، إذ يبقى من الضروري الانخراط في إعادة تشكيل القارة على أسس السوق الحرة إذا ما أرادت مواصلة النجاحات المكتسبة وتعظيمها. وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى زامبيا لما تمثله من تحد وفرص في نفس الوقت، فعندما نال هذا البلد الواقع وسط أفريقيا استقلاله عام 1964 لم يكن قادراً على توفير أكثر من 300 وظيفة لسكان يصل عددهم ثلاثة ملايين نسمة، واليوم لديها أقل من 500 ألف وظيفة يحتكر القطاع العام أكثر من نصفها لسكان يقدر بحوالي 13 مليون نسمة. ومع أن أفريقيا ستزود العالم بحوالي 25 في المئة من سكانه الشباب بحلول 2025، فإن ثلثي هؤلاء الشباب لا يتوافرون على وظائف. والحقيقة أن تاريخ زامبيا، وعلى غرار بلدان أخرى، هو تاريخ من الفشل المتكرر لتنويع الاقتصاد بعدم الاعتماد فقط على المورد الوحيد الذي تصدره متمثلاً في النحاس، فكلما ارتفع سعره ازدهرت البلاد وعندما ينخفض تعاني من نقص السيولة. وفي تشخصيه للوضع يقول نائب الرئيس الزامبي، "جاي سكوت"، بصراحة وشفافية إن ما يعيق النمو في البلاد هو ارتفاع كلفة القروض وصعود سعر صرف العملة المحلية الذي يفسر المشاكل التي تعانيها الشركات الخاصة، وما لم يتغير هذا الوضع، كما يرى نائب الرئيس، فإن زامبيا لن تنجح في توفير فرص العمل الضرورية لسكانها الشباب. لكن ارتفاع كلفة القروض وبطء إحداث الوظائف ليست سوى أعراض لاختلالات أعمق، فالكلفة الباهظة لإنشاء الشركات وتفشي الفساد والغموض السياسي في البلد... كلها عوامل يقول قائد المعارضة، "هاكاندي هيشيليما"، إنها تعيق النمو الاقتصادي وتحول دون تحقيق المعدلات المرجوة. والحقيقة أن وجهة نظر المعارض لا تجانب الصواب، وللتدليل على ذلك ما علينا سوى النظر إلى معبر "شيروندو" الحدودي بين زامبيا وزيمبابوي، فرغم الترويج للمعبر الذي أعيد ترميمه وإصلاحه بأموال المانحين الدوليين والإشارة إليه كنموذج للمعابر الحدودية وكمكان للتجارة، إلا أن الصف الطويل من الشاحنات الذي يمتد لكيلومترات في انتظار العبور، يشي بأن الأمور ليست كما يُروج لها، فالإجراءات الطويلة والمرهقة الموزعة على مراقبة الجوازات ودفع رسوم التأمين واستخراج رخص أخرى، بالإضافة إلى رسوم العبور... تمنع الانسياب السلس لعملية العبور. ورغم ما يشير إليه نائب الرئيس الزامبي من نموذج صيني يتعين على أفريقيا الاحتذاء به، لافتاً النظر إلى التقليص من كلفة الإنتاج وخفض السعر، فإن ذلك لا يحجب حقيقة أن ما يجعل بعض رجال الأعمال الأفارقة أكثر نجاحاً في الخارج منهم في بلادهم هو العداء الذي تُواجَه به الشركات الخاصة في أفريقيا. ولعل السبب هنا يرجع إلى الدولة التي أنشأها الاستعمار وورثتها النخب السياسية، بحيث غالباً ما يتم استغلالها من قبل السياسيين لإقامة شبكات من الريع السياسي وحشد الحلفاء. وفي خضم ذلك وجد القطاع الخاص نفسه مطالباً بإظهار الولاء وحشد التأييد والانخراط في عملية توزيع الريع، بل الأكثر من ذلك أن هذا القطاع واجه موجةَ التأميم التي خضع لها في بلد مثل زامبيا بعد الاستقلال، والتي لم يتم التخلص منها إلا في تسعينيات القرن الماضي بعدما أعيدت خصخصة الشركات. وخلافاً للمعبر الحدودي الآنف الذكر، يشكل المعبر المائي على نهر "زامبيزي" بين زامبيا وبوتسوانا مثالاً آخر على حسن التدبير، وهو المعبر الحدودي الذي يوضح لماذا حققت بوتسوانا نجاحاً ملحوظاً في مسيرتها الاقتصادية منذ حصولها على الاستقلال في عام 1966، ففي ذلك الوقت لم تكن مسافة الطريق المرصوفة في البلاد تتجاوز عشرة كيلومترات، أما نسبة الدخل الفردي فلم تكن تتعدى 70 دولاراً في السنة، هذا بالإضافة إلى تحديات أخرى مرتبطة بنسبة الأمية المرتفعة وغياب بنية تحتية في المجال التعليمي والصحي وغيرها. لكن الصورة اليوم تغيرت تماماً حيث يصل الدخل الفردي إلى 14 ألف دولار سنوياً، متفوقة على جارتها المزدهرة جنوب أفريقيا. ورغم اعتمادها على مورد واحد هو الماس، فإنها عرفت كيف تستثمر في مشروعات طويلة الأمد، كما دخلت في شراكة ناجحة مع شركات كبرى، والأهم من ذلك تبنيها حكماً رشيداً يتفوق على المعايير الأفريقية السائدة في القارة. لذا تحتل بوتسوانا مراتب متقدمة باعتبارها من البيئات الأكثر أماناً لإجراء الأعمال. وعلى جانب بوتسوانا من الحدود تظهر صورة مختلفة تماماً عن مثيلتها في الجانب الزامبي، حيث تبدو الطرق مرصوفة وأنيقة وتختفي الحواجز المختلفة والرسوم الكثيرة التي تميز معبر زامبيا. وخلافاً لزامبيا وزيمبابوي لا وجود في بوتسوانا لحواجز تفتيش تنصبها الشرطة لتحصيل ما يشبه الضرائب غير الرسمية. لذا، وفيما تواصل أفريقيا رحلتها الطويلة من أجل التحرر والنمو الاقتصادي، فإن الحكومات التي تنتهج شفافية أكبر في إدارة الموارد وتعتنق اقتصاد السوق، وحدها ستكون قادرة في المستقبل على تحقيق معدلات نمو مرتفعة وخلق الوظائف للشباب. جيفري هربست رئيس جامعة كولجيت الأميركية جيرج ميلز مدير مؤسسة برنثيرست بجنوب أفريقيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان سيانس مونيتور" المصدر: الاتحاد الاماراتية 17/10/2012م