تعرضنا فى تحليل سابق الى ضعف الحجة والمنطق لدي حزب الأمّة القومي فى تبرؤه المتواصل من ما يقوم به القيادي البارز فيه نصر الدين الهادي المهدي فى ما يسمي بالجبهة الثورية، وقلنا، إن الحزب وجد أن أفضل طريقة للتعاطي مع مأزقه هذا هو إنتهاج نهج التبروء، وهو نهج ظل سمة بارزة فى قيادة الصادق المهدي للحزب فى طريقته فى الجمع بين المتناقضات وإمساك العصا من المنتصف، وفعل الشيء ونقيضه فى آنٍ واحد. وكنا حين قلنا ذلك نستحضر مواقفاً شتى للحزب وتقاطعات، وتراجعات لا أول لها ولا آخر، تكفي لتأكيد حقيقة أن وجود نصرالدين فى قيادة ما يسمي بالثورية إنما هو وجود تدعمه موافقة بدرجة ما من قيادة الحزب على طريقة تقسيم الأدوار، واللعب بالذيل! الآن إستجدَّ دليل جديد يمكن إعتباره قرينة سياسية تدعم ما ذهبنا اليه، فقد نشرت صحيفة آخر لحظة السودانية – الاثنين الماضي – وثيقة عبارة عن خطاب داخلي صادر عن قيادة حزب الأمة يشير الى ضرورة تسكين مبارك الفاضل وبعض رفاقه فى حزب الاصلاح والتجديد المنشق عن الحزب فى العام 2001 فى مناصب محددة فى الحزب! الخطاب صحيح شكلاً وموضوعاً ويصعب إنكاره أو الطعن فيه، وهذا ما يؤكد ألاَّ صحة لما ظل يقوله الحزب من أنَّ مبارك الفاضل لا علاقة له بحزب الأمة. ولعل الأمر المربك فى هذا الصدد ان زعيم الحزب نفسه صرّح قبل أيام للصحف السودانية أن بعض جماهير الحزب طالبته بفصل مبارك الفاضل من الحزب بعد توجيهه لإساءات للحزب وأنه مخترق فى كل أماناته؛ وفي ردِّه عليهم قال الصادق المهدي، إن مبارك ليس عضواً فى الحزب من الأصل حتى يمكن فصله! إن مثل هذا التناقض فى القول والفعل يشير الى ان الحزب مع كونه يعيش أزمة تنظيمية معروفة إلا أنه فى الوقت نفسه يعاني من مثل هذه المتناقضات ما بين الحقائق الظاهرة المعروفة التى تستخدم فى الممارسة السياسية اليومية، وتلك الحقائق الأخري (المخفاة بعناية) لأغراض تكتيكية أخري. وعلى ذلك يمكننا التساؤل فى هذا الصدد أنه وطالما ان مبارك الفاضل – حسب مزاعم قيادة الحزب – لم يكن عضواً فيه وما يزال خارجه، وأثبتت الوقائع بأدلة قاطعة أنّ إجراءات إعادة تسكينه فى مناصب قيادية كانت تجري على قدم وساق، فلم لا يكون نصر الدين الهادي هو الآخر ما يزال يتمتع بمنصبه فى قيادة الحزب ومسموح له (خفيةً) التواجد فى قيادة ما يسمى بالجبهة الثورية؟ فالأمران مرتبطان ببعضهما إرتباطاً وثيقاً طالما أننا حيال وقائع بعضها متروك فى ضوء الشمس والبعض الآخر مخفى، فى عتمة الليل الحالك! إن حزب الأمة بطبيعة الحال كحزب سياسي صاحب تجربة له مطلق الحق فى لعب اللعبات التى تروق له، فهذه من مطلقات اللعب السياسي لأيّ حزب ولكن بالمقابل، فإن العمل السياسي له تبعات وله ثمن باهظ إذا إختلط لحم الممارسة السياسية السلمية بعظم الممارسة العنيفة المسلحة، وهو من قبيل اللعب بالبيضة والحجر على طبق أملس من زجاج شفاف من المؤكد ان خسائر اللعبة فى هذه الحالة قد لا تقتصر على الكسر والتدمير، ولكنها قد تطال الأيدي دماءً وجراحاً نازفة!