تناقلت بعض الأوساط الإعلامية الأسبوع الماضي شائعات مجهولة المصدر فحواها ان الحكومة الجنوبية أصدرت قراراً بإعدام المعتقل السوداني لديها منذ سنوات اللواء تلفون كوكو ومعه بيتر سولي وقبريال تانج. الشائعات لم يُعرف مصدرها، كما أن الحكومة الجنوبية وعلى الأقل فى ذات توقيت الشائعة لم تسع لنفيها أو تأكيدها. مجلس سلاطين جبال النوبة بولاية جنوب كردفان التى ينحدر منها كوكو نفى نفياً قاطعاً صحة ما أشيع متهماً جهات لم يسمِّها قال إنها تسعى لإثارة الفتن وخلق بلبلة سياسية بولاية جنوب كردفان. وقال السلطان تاور رمضان النور، أمين عام مجلس سلاطين النوبة فى تصريحات صحفية – الخميس الماضي – إنهم أجروا إتصالات مكثفة بالعاصمة الجنوبيةجوبا تأكد من خلالها ان اللواء تلفون لم يتم تقديمه أصلاً لأيّ محاكمة، وهكذا أصبح الأمر فيه ما فيه من التساؤلات وخطوط الطول والعرض المتقاطعة من الهواجس والمخاوف. غير أننا إذا أردنا التمعُّن فى ملابسات الأمر، فإن اللواء تلفون كوكو الذى تجاوز فى محبسه الثلاثة أعوام حتى الآن لم يقدم لمحاكمة منذ إعتفاله وحتى الآن، وهذا فى حد ذاته خير دليل على ان الحكومة الجنوبية فى الواقع لا تملك ضده إتهامات جنائية جدية سواء وفق القوانين الجنائية العامة أو القوانين العسكرية بإعتباره ضابطاً رفيعاً فى الجيش الشعبي برتبة اللواء ساعة إعتقاله. كان ولا يزال خطأ الحكومة الجنوبية أنها إعتقلته لمجرد إشتباه أو فلنقل وشايات من آخرين يقال أن عبد العزيز الحلو واحداً من أهمّ من تسبّبوا فى عملية الاعتقال لأسباب خاصة بتنافس سياسي حاد بينهما فى منطقة جنوب كردفان. والراجح أن عدم تقديم اللواء كوكو للمحاكمة طيلة هذه السنوات مردّه الى عدم وجود مخالفة قانوية، أو عدم وجود أدلة كافية وأن كل المقصود من وراء الاعتقال إذلال الرجل والحيلولة بينه وبين إستقطاب مؤيدين فى جنوب كردفان على حساب الحركة الشعبية عموماً. لو أن الحكومة الجنوبية كانت تملك ما يكفي لمحاكمته لفعلت، كما أنها بتفضيلها الاعتقال على المحاكمة أو التصفية الجسدية خارج أطر القضاء، إنما تريد الاحتفاظ بالرجل بصرف النظر عن الأسباب والدوافع، ففي السياسة هنالك الكثير من ما يثير العجب ولكنها تصاريف السياسة طالما أنها فن الممكن. من جانب ثاني، فإن من الصعب تماماً أن تضحي الحكومة الجنوبية هذه التضحية الفادحة المهولة بإعدام كوكو فى ظل إنطلاق إتفاق التعاون المشترك والذى يقوم عل فرضية تبادل حسن النوايا وترسيخ الثقة، وبالطبع إن أسوأ ما يمكن أن يحدث شرخاً هائلاً فى العلاقات بين الدولتين إعدام مواطن سوداني فى ظل ظروف كهذه مهما كانت الاسباب. ولا يمكن لعاقل ان يتصور إقدام جوبا على خطوة كهذه، عواقبها السياسية والقانونية ساطعة كالشمس. من جانب ثالث فإن المنطق نفسه يرفض إمكانية إصدار حكم كهذا بهذه السرعة وبهذه الكيفية؛ فحتى لو كانت لدي جوبا نوايا لقيام بذلك فإنها فى هذه الحالة تتخيّر أفضل إجراءات عادلة للمحاكمة لأنها ستكون تحت سمع وبصر العالم ويكون مهماً فى هذه الحال أن يرى السودان ويشهد عن كثب محاكمة أحد مواطنيه. هنالك الآن تمثيل دبلوماسي رفيع على مستوي السفراء بين جوبا والخرطوم، وهناك خط اتصال سياسي ساخن على مستوي الرؤساء بين الرئيسين كير والبشير وهى كلها معطيات تمنع الاقدام على خطوة كهذه بهذه البساطة. وعلى ذلك فإن من المؤكد ان الأمر لم يكن فى جوهره صحيحاً، ولكن رغماً عن ذلك فلربما أراد بعض الصائدين فى مياه جبال النوبة الاصطياد فى المياه العكرة خاصة وأن حكومة الرئيس الجنوبي كير لا تخلو من ناقمين أو معارضين للإتفاق بين البلدين، وما محاولة اغتيال الرئيس كير نفسه إلاّ وجه من وجوه هذا الخلاف، أو أن هنالك رغبة من بعض قادة الجنوبيين الأقل درجة، تصفية تلفون كوكو للحيولة دون إطلاق سراحه وذلك دعماً لخصومة أمثال الحلو وإرضاءاً لهم طالما أنهم هم الذين تسبّبوا فى إعتقاله.