تحرك السودان حتى الآن تحركاً دبلوماسياً وسياسياً، بل وحتى عسكرياً تحركاً جيداً لمواجهة العدوان الاسرائيلي الأخير على أراضيه؛ فعلاوة على الإدانات المتعددة من دول صديقة وشقيقة إقليمياً ودولياً، والتى -وإن قلل البعض منها بإعتبارها روتينية وليست فاعلة- إلاّ أنها دون شك تمنح السودان غطاءً سياسياً جيداً جداً لشرح قضيته من جهة، وتفعيل وسائله وإستخدام حقه المشروع فى ردّ العدوان والحيلولة دون تكراره.. علاوة على ذلك فإن السودان طلب إجتماعاً طارئاً للجامعة العربية، سينعقد قريباً جداً، وهو إجتماع تتجلّى أهميته فى أنه يرسم موقفاً عربياً مشتركاً، فيضيف حلفاء جدد ضد تل أبيب، وينقص فى الوقت نفسه من قدر الذين يتعاطفون أو حتى يصمتون حيال جرائم الدولة العبرية، وهذه فى الواقع ليست أموراً سهلة حتى وإن بدت اسرائيل غير عابئة بها، فالدولة القائمة على فرضية الأمر الواقع وجرى إنشائها على أرض الغير، ظلت وما تزال فى حاجة لرضاء دول المنطقة حتى تصبح عضواً متجانساً مع دول المنطقة وتقضي على حالة النفور والعداء التى تواجهها، ولهذا فإن عدوانها على السودان بإعتبار ان هذه (جبهة جديدة) فتحتها اسرائيل للتوّ، سوف يوقظ كل دول المنطقة - خاصة دول الطوق - ليبيا ومصر وسوريا ولبنان، لكي تتخذ مواقف عملية أكثر فاعلية للحيلولة دون تغلغل أنشطة إسرائيل فى العمق الجنوبيّ لها. ويُلاحظ فى هذا الصدد أن مصر على وجه الخصوص تفتح الآن عينيها وذهنها بقوة – حتى وإن لم تسرف علناً فى البوح بذلك – لكي تضع إستراتيجية تبعد غائلة اليد الطولى الاسرائيلية من عمقها الجنوبي، وذلك ببساطة لأنّ فى ذلك تهديد جديّ للمصالح المصرية الاستراتيجية لها. الأمر هنا لا يتعلق بالتصريحات الصحفية والتحركات السياسية العلنية فإسرائيل تعلم ان الأحاديث الإعلامية والتهديدات لا تشكل لها مصدر قلق، ولهذا – بحسب متابعاتنا – فإن استراتيجيات عديدة وفاعلة جرى رسمها الآن ومباشرة فى كلٍ من القاهرة والخرطوم وطرابلس من المنتظر أن تضع حداً للعربدة الاسرائيلية، على الأقل فى غضون العام المقبل. ولعل أكثر ما يؤكد ان تل أبيب تواجه مخاطراً غير مسبوقة فى المرحلة المقبلة، أن واشنطن بحسب ما توفر ل(سفاري) من معلومات من مصادر دبلوماسية مطلعة فى واشنطن حذرت اسرائيل أكثر من 3 مرات -على حد قول المصدر- من الإقدام على العملية بإعتبارها سوف تجرّ عليها مخاطراً إقليمية وتستثير شعوب المنطقة التى تتولى الآن عملياً حركة الربيع العربي. وتضيف المصادر ان إدارة الرئيس أوباما أشارت على القادة الاسرائيليين بالإبتعاد عن أيّ مغامرات من هذا النوع فى الظروف الراهنة لأنّ العالم العربي والاسلامي يعيش (حالة تماسك) غير مسبوقة ما بين شعوبه وحكامه بحيث يمكن ان تنشب حرب فى مواجهة اسرائيل لن يكون سهلاً السيطرة عليها نظراً لهذا التوافق الكامل بين الشعوب والحكام والرغبة الجامحة من الشعوب فى القضاء على الدولة العبرية وتخليص الفلسطينيين من جرائمها. وتسترسل المصادر وتقول إن بعض كبار المسئولين فى إدارة الرئيس أوباما لم يتوانوا عن نصح اسرائيل ولفت نظرها إلى أن (ربيعاً عربياً) يمكن أن يطال (الأراضي المحتلة) بنشوب إنتفاضة جديدة من المستحيل الوقوف فى وجهها، وهو أمر من الممكن أن تتسبّب فيه إسرائيل بطيشها المعهود. وعلى كلٍ، فإن التحركات السودانية فى غضون اسبوع واحد من الغارة الاسرائيلية على مصنع اليرموك للسلاح، بدت بأكثر مما توقعت اسرائيل، ففي كل محفل دولي أو إقليمي وضع السودان خارطة دبلوماسية، وعلى المستوى المحلي الداخلي والاقليمي وضع السودان خطوطاً واضحة بحيث يمكن القول إن ما تمَّ عمله إذا لم يحول دون تكرار تل أبيب لهذا العمل الغادر، فإنه على الاقل سيجعلها تفكر أكثر من مرة قبل أن تقدم عليه مرة أخرى!